(موقع 180)
هو فحص معقّد جدًا، يقوم على أساس واحد، تضخيم وتكثير معلومات وراثية جينية، تزيد الكمية من جزيء واحد إلى مليارات ومليارات الجزيئات كي تتمكن الآلات من رصدها من خلال ملونات كيميائية تطلق ألوانا محدّدة، أما التضخيم والتكثير، فيتمّ من خلال سلسلة عمليات كيميائية تتحرّك فيها الحرارة بشكل متطرف بين 90 درجة مئوية في بعض المراحل إلى تبريد يصل إلى 4 درجات مئوية، ويبلغ عدد هذه العمليات 7 ما يجعل الفحص بالتالي يحتاج إلى وقت طويل كي تظهر نتائجه.
وهذا الفحص بحدّ ذاته لا يبحث عن جسيم الفيروس كما أسلفنا سابقًا بل عن المادة الوراثية التي يحملها. أكثر تحديدًا، إنه يبحث عن جينات معيّنة، أي ما هو أصغر من المادة الوراثية الكليّة، فلو أردنا تبسيط الأمور، أنت الآن تبحث عن عقدتين زرقاء وحمراء في حبل يحتوي 15 عقدة (عدد الجينات التي يحملها فيروس الكورونا المستجد)، أي أننا نبحث عن جينين اثنين فقط.
ما الذي دفعنا إذًا لاستعمال هذه التقنية المعقّدة في البحث عن حملة الفيروس؟
ببساطة لأنّ فيروس كورونا المستجد يحمل 96% من المادة الوراثية لسلفه، أي للسارس، وهذا الفحص ليس مختصًا بفيروس كورونا بل هو فحص عام جدًا ويستعمل للبحث عن أية مادة وراثية، وبما أنّ هناك عينات جاهزة من الجائحة السابقة في العام 2008، اعتمد كفحص مرجعي للتثبت من إصابة الشخص بفيروس كورونا المستجد لإيجاد جينين اثنين سُميا بالـ E و N.
قد تقع الأخطاء، نعم، هذا الأمر مأخوذ بالحسبان، وخاصةً أننا أمام فحص شديد التعقيد كالذي سبق، وما يزيد من نسبة الخطأ أيضًا هو التشابه الكبير في العوارض والمادة الوراثية بين فيروسات كورونا كلّها وهي كثيرة، وتصيبنا سنويًا مسببةً أعراض البرد العادية أو الرشح، وهذا ما يحصل الآن مع بداية فصل الخريف حيث تزداد الإصابات بالفيروسات التنفسية بسبب تخفيف التهوئة في البيوت والجلوس في الغرف المغلقة، فيقوم الناس بطلب الخضوع للفحص بسرعة كوننا نعيش رعب الجائحة فتأتي النتيجة إيجابية وقد لا يكون “المتهم” بالضرورة فيروس كورونا المستجد بل أحد أفراد عائلته!
نعم، الفيروسات الأخرى ما زالت موجودة والتعبئة الإعلامية حول الكورونا أوصلتنا إلى أنّ الفيروس الوحيد الذي يدور من حولنا هو الكورونا، بينما الحقيقة في مكان آخر كليًا. كلهم ما زالوا هناك والأخطاء تقع، وهذا أمر مفهوم ولكن البناء على الخطأ هو غير المفهوم نهائيًا.
ما سبق ليس عبارة عن دعوة إلى تخفيف الإجراءات من تباعد اجتماعي وارتداء كمامة. أبدًا، هي دعوة لإعادة قراءة كل الأرقام الصادرة عن وزارة الصحة اللبنانية وطرح بعض الأسئلة:
هل يجري تسجيل المريض الذي يعيد الفحص عدة مرات، بعد أيام أو للتثبت من الإصابة كحالة جديدة كلّ مرة؟
لماذا لا يزال التعامل مع المرحلة الرابعة من التفشي، أي التفشي المجتمعي، قائمًا على نفس التعاطي مع المرحلة الثالثة، فننتظر المريض حتى يأتي إلينا طالبًا إجراء الفحص لنسجله وفق سجل قيده في منطقة معيّنة فتصبح ضمن الدائرة الحمراء، بينما يجب الآن القيام بأخذ عينات عشوائية من المناطق لتحديد بؤر التفشي الحقيقية.
أخيرًا هل حقًا هناك إقفال عام في لبنان، أم أنها نكتة سمجة؟