نقلاً عن الجزيرة نت - خليل مبروك
نجحت العديد من منظمات الإغاثة ومؤسسات المجتمع المدني العربية عبر العقود الماضية بتطوير روتين أداء خاص بها لمواجهة احتياجات المجتمعات التي تتلقى منها الخدمات، لكن انتشار جائحة كورونا خلق تحديات جديدة للعمل الإغاثي وفرض على مؤسساته ما لم يكن بالحسبان.
فعلى سبيل المثال، قرر "البيت السوري" -وهو منظمة مجتمع مدني عربية تنشط في تركيا- استبدال حملة جمع الملابس التي نفذها العام الماضي تحت عنوان "يدا بيد نجعل شتاءهم دافئا" بحملة جمع للتبرعات المالية من أعضاء البيت لشراء الحطب بهدف تدفئة المخيمات، لتخفيف أضرار الأجواء الباردة على المرضى والمصابين بفيروس كورونا.
وقال رئيس البيت السوري معتز شقلب إن هذا التحول جاء نظرا لصعوبة جمع الملابس والأغطية والأحذية وغيرها من احتياجات الشتاء بسبب انتشار فيروس كورونا.
وأضاف شقلب في حديث للجزيرة نت أن التحول من جمع المساعدات العينية إلى التبرعات المالية وإن كانت محدودة يمثل إحدى سمات العمل الإغاثي في ظل وباء كورونا.
وأوضح أن حملات أخرى نفذت في أوروبا والدول الغربية قامت على تشكيل مجموعات صغيرة من المتبرعين الذين يقدم كل منهم مبلغا لا يزيد على 10 يوروهات يتم جمعها وتقديمها للعائلات الأكثر عوزا في الداخل السوري.
بين التوعية والميدان
وعلى المنوال ذاته، حولت منظمات طبية وإغاثية أوروبية عددا من مشاريع تزويد المستشفيات والمراكز الطبية في الشرق الأوسط بالأدوية والمعدات الطبية إلى حملات لتوفير معدات لحماية الأطباء من انتقال العدوى بالفيروس، وأخرى لتوفير الأدوية والمسكنات وأدوات التعقيم وأجهزة التنفس اللازمة لتخفيف معاناة المصابين بفيروس كورونا.
وتؤكد منظمات الإغاثة العربية أن تأثير الجائحة على أدائها لم يعد مقتصرا على الشكل الإجرائي لحملات الإغاثة، بل تعدى ذلك ليطال الأطر الفكرية لمنظمات المجتمع المدني العربية العاملة في مجالات الطب والصحة.
وغيرت الجائحة -وفقا لقادة تلك المنظمات- أولويات العمل الإغاثي المتركز في معظم البلدان العربية ذات الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والذي بات ينصب على حماية الطواقم الطبية بتوفير معدات الحماية من كمامات ودروع واقية من جهة، وعلى تدعيم موجودات المشافي والمراكز الطبية اللازمة للتعامل مع الفيروس، خاصة في مجال توفير أجهزة التنفس والعلاجات للمرضى من جهة أخرى.
أما فيما يخص دور مؤسسات المجتمع المدني والتجمعات المهنية في العمل لمواجهة كورونا فيلفت شقلب إلى أنها مارست دورا فاعلا من حيث التوعية بخطورة المرض وشرح آلية انتقاله وسبل الوقاية منه وأساليب معالجته، كما يشير إلى كثير من الجهود التي بذلت للتوعية عبر الورش والندوات ومن خلال وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي.
تبدل الأولويات
ويوضح الأمين العام لتجمع الأطباء الفلسطينيين المستقلين الدكتور سمير أبو سمرة أن المنظمات والمؤسسات الطبية غير الحكومية وغير الربحية -والتي تأسست بهدف تقديم خدماتها لعموم المواطنين، ولا سيما للعائلات المستورة والشرائح الأقل حظا- اعتادت لعقود على ممارسة أنشطة تطوعية لخدمة تلك الشرائح، لكنها باتت تمنح الأولوية اليوم لمواجهة كورونا.
وذكر أن الأنشطة التقليدية للمنظمات الطبية كانت تتنوع بين تنفيذ أيام طبية مجانية وإجراء فحوصات مخبرية، وتنظيم أنشطة تعنى برعاية الأمومة والطفولة وتوفير المستلزمات الضرورية للمرضى الفقراء، وتوفير الدعم اللازم لإجراء عمليات وجراحات معينة وغيرها من خدمات طبية.
ويشير أبو سمرة إلى أن كورونا وضع هذه المؤسسات أمام العديد من التحديات على 3 صعد، أولها صعوبة القيام بالنشاطات الميدانية بسبب الحجر الصحي المفروض من قبل الحكومات، وسياسات منع التجمهر وإجراءات التباعد الاجتماعي للحد من انتشار الوباء.
أما الصعيد الثاني فيتمثل بشح الكوادر الطبية، وذلك بسبب انشغالها بالتصدي للجائحة، إضافة إلى إصابة العديد من الكوادر بكورونا نتيجة الاحتكاك المباشر الضروري مع المرضى.
ويتلخص ثالث التحديات -وفقا للطبيب الفلسطيني- بتحويل معظم الموارد والإمكانيات التي تتوفر لدى لمنظمات والمؤسسات الطبية للتصدي لهذه الجائحة.
ويلفت الطبيب الفلسطيني النظر إلى قيام العديد من الكوادر الطبية في فترات الحجر الصحي بالتطوع لإرسال علاجات الأمراض المزمنة للمرضى في بيوتهم، إضافة إلى الكثير من الأنشطة التي تؤكد أهمية هذا النوع من العمل وضرورة تذليل العقبات أمامه.
خيام اللاجئين.. القنبلة الموقوتة
ويزيد توغل أيام البرد في شتاء اللاجئين من معاناة ساكني الخيام الذين اعتادوا في مثل هذه الأيام من السنة على استقبال حملات توفير الكسوة والأغطية ووسائل التدفئة لمواجهة البرد القارص.
وكانت هذه الحملات تعتمد بالدرجة الأولى على دعم أفراد المجتمع في تغطية نفقاتها، إضافة إلى المتطوعين، لكن أزمة كورونا عصفت بالأحوال المالية للكثير من الناس وأفقدت الكثيرين وظائفهم، وتسببت في إضعاف قدرتهم على التبرع فنجم عن ذلك شح الدعم المطلوب لهذه الحملات.
ويقول الدكتور أبو سمرة للجزيرة نت إن شح الموارد المالية يجب ألا يحول دون الاهتمام المطلوب بشريحة المحتاجين وسكان المخيمات، موضحا أن اشتداد برودة الأجواء يؤدي إلى تجمع الناس واقترابهم من بعضهم البعض التماسا للدفء، فيسهل انتقال الفيروس بينهم.
كما يقول إن برودة الأجواء عند نقص وسائل التدفئة تؤدي إلى زيادة أمراض الشتاء كالنزلات البردية والأمراض المعدية التي تؤدي لانخفاض مناعة المرضى فتحول مخيمات اللاجئين إلى قنابل موقوتة سيؤدي إغفالها إلى الانفجار وحدوث عواقب وخيمة لا يمكن السيطرة عليها.
وكانت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الأمم المتحدة قد حذرت في تقرير نشرته بمناسبة إحياء اليوم الدولي لمكافحة الفقر يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من انزلاق ما يصل إلى 100 مليون شخص حول العالم إلى هوة الفقر جراء تفشي فيروس كورونا.
كما توقع البنك الدولي أن يرتفع معدل الفقر المدقع هذا العام لأول مرة منذ أكثر من عقدين إلى 115 مليون شخص مع نهاية هذا العام، قائلا إن الرقم قد يبلغ 150 مليون فقير يعتاش كل منهم على أقل من 1.90 دولار يوميا بحلول عام 2021.
ومن المتوقع أن تسهم هذه المؤشرات في زيادة أعباء مؤسسات العمل الإغاثي، سواء في مجال توفير الاحتياجات للمستفيدين أو في الوصول إليهم في مواقعهم.