نقلا عن الجزيرة نت - لاريسا معصراني
أعادت أزمة انتشار فيروس كورونا وهج الألعاب القديمة التي اندثرت واختفت أمام التكنولوجيا والألعاب الإلكترونية، حيث التأم شمل العائلة من جديد وانتعشت تلك الألعاب لتكسر ملل الوحدة، لما لها من تأثير إيجابي في تنمية المهارات الذهنية والبدنية على بساطتها.
ورغم السيطرة الإلكترونية على الحياة اليومية، بما فيها أوقات الفراغ، فإن للألعاب الاجتماعية التقليدية شعبية تفوق الألعاب الإلكترونية. ويرى بعضهم أن لها دورا فعالا في تعميق الروابط الاجتماعية.
واليوم يبحث أبناء هذا الجيل عن تلك الألعاب ومنها: المونوبولي والريسك والشطرنج والحية والسلالم والنرد ليتشاركوا المرح مع ذويهم، ويبتعدوا ولو مدة قصيرة عن الشاشات.
ألعاب أيام زمان
"الأولاد ضجروا حتى من الألعاب الإلكترونية، وبدؤوا يلعبون ألعاب أيام زمان"، تقول ماري كلير عقل (أم لطفلين) للجزيرة نت. وترى أن ألعاب التسلية القديمة مهمة جدا للكبار والصغار، إذ من شأنها أن تخلق جوا عائليا من نوع خاص. وتضيف أنه "من الضروري مشاركة الأطفال في هذه الألعاب فهي تبقى في ذاكرة الإنسان وترافقه مدى الحياة".
وتقول ماري "ضجر الأولاد فعلمناهم ألعابنا مثل المونوبولي، والحية والسلم، والريسك، والسكرابل، كما أننا نغني كثيرا ونضحك، وأصبحنا نتنبه لأشياء معينة في طباع بعضنا بعضا".
وتضيف "نستطيع اكتشاف مواهب الأطفال عند الضجر لأنهم يبدعون ويبتكرون حينها ويشغّلون عقولهم أكثر".
ألعاب قديمة تحتاج إلى مهارة وذكاء
يقول الطبيب عدنان مزرعاني للجزيرة نت إن عائلته حاولت إعادة الألفة وملء أوقات الفراغ بالألعاب القديمة التي تحتاج إلى المهارة والذكاء.
ويبين أنه يتخيل يوميا هذا المشهد؛ طاولة غرفة المعيشة عليها اللعبة جاهزة، يجتمع حولها الوالدان والأولاد وبعض الوجبات الخفيفة اللذيذة. سهرة عائلية بامتياز، تعطي الأهل فرصة ظريفة للتقرب من أولادهم، وتسمح لهم بتقديم بديل عن كل ما هو إلكتروني.
ويتابع شرحه "لكن بكل أسف، ابني نبيل مولع بلعبة بلايستيشن 4، وهو متعلق جدا بهذه الألعاب، ولو ترك له المجال لما توقف عن اللعب بها أبدا، خاصة أثناء فترة الحجر المنزلي هذه، والتعليم عن بعد، فقررت سنّ نظام صارم وجدول يحدد الوقت المسموح به للعب".
ويرى الطبيب مزرعاني أن الألعاب الإلكترونية تحتوي على الكثير من العنف والعدوان والتشويق والجريمة ولهذا فإن لها تأثيرات سلبية ومخاطر صحية ونفسية في الأولاد، ولها إيجابيات معينة منها تشجيع صفات شخصية كالقيادة، ويتم فيها تكوين جماعات تتطلب من الفرد حمايتها، وبعض الألعاب تحفز المهارات التي تتطلبها الحياة العملية مثل التصميم على تحقيق الأهداف الشخصية.
ويستدرك "لكن المنع ليس الوسيلة الصحيحة لمواجهة التغييرات، لذا حاولت إعادة الألفة وملء أوقات الفراغ بالألعاب القديمة التي تحتاج إلى مهارة وذكاء كالشطرنج والنرد والدومينو وغيرها، وتطلب مني ذلك مجهودا لتشجيع ابني على ممارسة هذه الألعاب على أرض الواقع، لكنها لم تأت بالنتيجة المطلوبة".
الحجر أتاح اجتماع الأسرة
تقول الأم سمر الحسيني للجزيرة نت إن "الحجر المنزلي أتاح اجتماع الأسرة لممارسة مثل هذه الألعاب معا وكسر روتين الملل"، مبينة أن الحجر المنزلي والتعليم عن بعد زادا فرصة ممارسة ألعاب التسلية القديمة من جديد، فألعاب الطاولة كالمونوبولي، واللودو، والداما تتطلب اللعب مع جماعة تتجاوز 4 أفراد.
ماذا يقول علم النفس؟
الألعاب الإلكترونية تساهم في زيادة الانفصال الأسري بعكس الألعاب الشعبية التقليدية التي تتميز بأنها ألعاب جماعية، حسب اختصاصية الصحة النفسية المتخصصة في الاستشارات الأسرية ونفسية الأطفال والمراهقين الدكتورة نيللي عماد الدين.
وترى الدكتورة نيللي أنه من الضروري ملء وقت الفراغ بما يفيد الصحة النفسية للإنسان، وممارسة الرياضة البدنية هي أفضل الوسائل لذلك، لكن الرياضة الذهنية مفيدة أيضا وهي موجودة في الألعاب الاجتماعية، إذ كثيرا ما يسعى الناس إلى التخلص من دوامة الحياة ومشكلات العالم الواقعي باللجوء إلى العالم الافتراضي.
ولسيطرة الألعاب الإلكترونية على وسائل التسلية في أوقات الفراغ انعكاسات سلبية على المجتمع، وانشغال كل شخص بمفرده بالحاسوب وألعابه حطم الروابط الاجتماعية وأدى إلى مزيد من العزلة بين الناس، إذ لم تعد هناك ضرورة للعب الجماعي.
ورغم الدور الذي تلعبه الألعاب الإلكترونية في تقوية الخيال وتربية الإبداع، فإن لها انعكاساتها السلبية خصوصا على الأطفال لما تسببه من خلط بين الواقع والخيال، فالطفل يعتاد بسرعة على هذه الألعاب، مما قد يعرضه لصعوبة كبيرة في التأقلم مع الحياة الطبيعية ذات السرعة الأقل درجة، وهو الأمر الذي يقوده إلى الفراغ النفسي والشعور بالوحدة، سواء في منزله أو مدرسته، كما تقول الدكتورة نيللي.
وتشير إلى أن فكرة الشخصيات الافتراضية في الألعاب الإلكترونية تنمّي الانفصال عن الحياة الواقعية لدى الأطفال، إذ تقودهم إلى التعامل بمنطق هذه الشخصيات الخيالية في حياتهم، مما يولد الكثير من التحدي والعنف والتوتر والعراك الدائم مع محيطهم.
وتوضح الدكتورة نيللي أن الألعاب الإلكترونية تساهم في زيادة الانفصال الأسري، كما تصنع أطفالا أنانيين يفكرون بإشباع حاجاتهم من الألعاب فقط، دون أن ينتبهوا إلى وجود من يشاطرهم اللعب، فتحدث كثير من المشكلات بين الأشقاء على دور اللعب، بعكس الألعاب الشعبية التقليدية التي تتميز بأنها ألعاب جماعية.