نقلا عن الوكالة الوطنية للاعلام - أميمة شمس الدين
يواجه الجسم الطبي في لبنان الكثير من التحديات، لا سيما في ظل جائحة كورونا التي أنهكته وأنهكت اللبنانيين، وفي ظل ما يعانيه لبنان اصلا من أزمة اقتصادية خانقة انعكست على كل القطاعات، خصوصا القطاع الطبي، ما دفع العديد من الاطباء الى الهجرة بحثا عن حياة كريمة.
الطاقم الطبي والتمريضي، كان منذ تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا بتاريخ 21 شباط 2020، في الصفوف الأمامية لمواجهة الوباء وخاض المعركة الصحية بأدنى الإمكانات المادية، في ظل شح الموارد البشرية وفي أسوأ الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يمر بها لبنان، متسلحا بالإرادة، والشجاعة، والمسؤولية، والخبرة، والضمير المهني، لمساعدة المرضى على تجاوز المحنة قدر المستطاع، معرضا حياة عناصره للخطر، إلى أن خرقت الجائحة صفوفه، ونقلت العدوى إليهم وخطفت عددا منهم.
وفي هذا الاطار، قال نقيب الاطباء شرف ابو شرف: "يواجه الجسم الطبي تحديات كبيرة كسائر فئات المجتمع، وابرزها الاقتصادية والعلمية. ومن الطبيعي، أن الطبيب الذي لا يستطيع أن يؤمن معيشته وعلم اولاده أن يبحث عن عمل اخر في بلد اخر".
وأضاف: "اما علميا، فلم يعد بامكاننا تنظيم مؤتمرات كالسابق، الا الافتراضية منها عبر الجمعيات العلمية ونقابة الاطباء. وبات السفر للمشاركة في المؤتمرات في الخارج شبه مستحيل".
وتابع: "ظروف العمل لم تعد مشجعة، وحقوق الأطباء خصوصاً بالنسبة للجهات الضامنة اكثرها مهدورة، اضافة الى ما يتعرض له الطاقم الطبي في الآونة الاخيرة من عنف من قبل البعض، في غياب العدالة".
وأعلن "اننا كنقابة تقدمنا بمشروعي قانون الى مجلس النواب، يتم درسهما في لجنة الادارة والعدل لحصانة الطبيب، وتغريم وتجريم كل من يعتدي على طبيب او عامل في القطاع الصحي، اضافة الى عدم وجود اي ضمانات اجتماعية. فالطبيب عندما يحال على التقاعد ليس لديه ضمان، وقبل التقاعد ضمانه درجة ثانية، وهناك 25 في المئة من الاطباء لديهم ضمان خاص وهو مكلف جدا".
وقال: "في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة، وعدم معرفة مدى امكانية الصمود وسط المشاكل والكوارث التي حلت ببلدنا، من انفجار المرفأ الى جائحة كورونا الى انهيار سعر صرف الليرة ووضع السحوبات من المصارف، كل هذه الامور دفعت الاطباء الى الهجرة، وبلغ عددهم الى الان حوالي 400 طبيب. قسم منهم انتقل الى الدول العربية والخليجية، لكن المشكلة أن من هاجروا الى الدول الغربية من الصعب ان يعودوا الى لبنان"، مشيرا الى أن "الاعداد مرشحة للزيادة، فهناك الكثير من الاطباء من اصحاب الخبرات والكفاءات العالية يتقدمون من النقابة بطلب افادة علمية ومسلكية لضمها الى طلب الهجرة".
وعن أبرز اسباب الهجرة، قال أبو شرف: "تأخر الجهات الضامنة عن دفع المستحقات للاطباء ضمن مهلة زمنية قصيرة فتسدد بعد سنة او سنتين، عدم ربط التعرفة الهزيلة بمؤشر غلاء المعيشة وهي لا تدفع مباشرة للطبيب بل عبر اللجان الطبية او المستشفيات. نحن كنقابة طالبنا مرارا الجهات الضامنة بتطبيق قانون فصل الاتعاب والدفع المباشر للطبيب خلال مهلة قصيرة. ووزارة الصحة طبقت فقط قانون فصل الاتعاب، ما اضطر الاطباء الى طلب فرق الاتعاب من المواطنين وهذا ليس عدلا. ولو طلبنا كنقابة من الاطباء عدم أخذ هذا الفرق، الا ان الاطباء بحاجة لاتعابهم كي يتمكنوا من الاستمرار. اضافة الى تعرض الاطباء للاعتداء النفسي والجسدي والملاحقة القانونية والتوقيف والتشهير بهم احيانا عند ورود مضاعفات او اخطاء طبية، وعدم انتظار جواب لجنة التحقيقات العلمية. كما أن هناك صعوبة في تأمين المعدات والمستلزمات الطبية وعدة العمل الخاصة بكورونا بسبب ارتفاع سعر الدولار".
واكد انه "رغم الامكانيات المتواضعة، هناك الكثير من الاطباء الذين عملوا بكل اندفاع وإنسانية لمساعدة المرضى".
وأعلن نقيب الاطباء أن ستة اطباء توفوا من كورونا، وثلاثة في العناية الفائقة وحوالى مئتي طبيب في الحجر المنزلي. وبالنسبة للممرضين والممرضات فعدد المصابين ثلاثة اضعاف عدد الاطباء. وقد طالبنا باعتبار هؤلاء الاطباء شهداء الواجب الصحي والانساني أسوة بشهداء الجيش والمرفأ، وبتأمين الحماية اللازمة للقطاع الصحي من حيث المعدات الوقائية والتجهيزات اللازمة علما اننا قد صرحنا مرارا بتجهيز المستشفيات الحكومية والخاصة بشكل جدي وتوفير المال اللازم لذلك.
وأشار الى ان انفجار مرفأ بيروت أدى الى تدمير أربعة مستشفيات وعيادات ومنازل و 200 قتيل و 6000 جريح، وقام الاطباء بكل ما يتطلب منهم دون ان يفكروا بأنفسهم، فقد اصيب عدد منهم بفيروس كورونا لينقذوا المصابين به. ورغم ذلك، لم يفكر احد بزيادة تعرفة الطبيب وتأمين حقوقه في ظل ارتفاع سعر الدولار وانخفاض قيمة ما يتقاضاه الاطباء بشكل كبير، وقد زادت الدولة للمستشفيات كل ما طلبته منها شرط الاستمرار، لكنها لم تأبه لمطالب الاطباء وزيادة التعرفة الرسمية رغم مطالباتهم المتكررة.
وعن الحلول لما يعانيه الجسم الطبي، قال ابو شرف: "نتساعد جميعا لترميم ما تهدم بسرعة للحفاظ على الاطباء، فاذا لم يتم الدفع لهم كما نطالب من دون تأخير وربط التعرفة بمؤشر غلاء المعيشة ومباشرة الى الطبيب، بالاضافة الى حمايتهم قانونيا فسيستمر النزف والهجرة". واقترح عقد طاولة مستديرة لدرس الوضع، وتحديث وتجديد جدول الاعمال الطبية، "لكن للاسف ليس هناك من آذان صاغية، والجواب يكون دائما أنه ليس هناك اموال في الدولة".
وأعلن أن النقابة دعمت الاطباء المصابين بكورونا فقدمت لهم شهر تقاعد، ولعائلات الاطباء المتوفين بكورونا 50 مليون ليرة اضافة الى الراتب التقاعدي بالنسبة للمنتسبين.
وقال: "طالبنا بالالتزام بالوصفة الطبية الموحدة لكن لم نتمكن من تحقيق ذلك، ما ساهم الى حد كبير في عملية تهريب الادوية او تخزينها في البيوت وفقدانها من الاسواق". واوضح انه تم التوافق مع نقابة الصيادلة على ان يباع اللقاح في الصيدليات بناء على وصفة طبية، ولا يعطي اللقاح الا الطبيب، ولا يعطى دواء الا بوصفة طبية كالمضادات الحيوية وأدوية الامراض المزمنة من دون وصفة طبية موحدة. ولكن للاسف لم ينفذ إلا بيع اللقاح من قبل الصيادلة بحجة القانون، ضاربين بعرض الحائط عرفا تكلل بالنجاح التام حوالى نصف قرن من الزمن.
واوضح أن "عدم حصر اعطاء اللقاحات من قبل الطبيب أدى الى انخفاض نسبة تلقيح الاطفال نحو عشرين بالمئة"، معتبرا ان قيام الصيدلي بالتلقيح من دون فحص المريض سريريا ومتابعته من قبل الطبيب المختص، سيؤدي الى امكانية ظهور امراض كانت قد انقرضت، بعدما كان لبنان البلد الوحيد في المحيط العربي الذي لديه افضل نظام تلقيح. وأشار الى ان وزير الصحة وعد بتعديل قراره بعد تجربة فاشلة دامت ثلاثة اشهر، "ونأمل أن يفي بوعده قريبا".
وأكد أن "على الدولة أن تدعم الاطباء بشكل افضل وتدعم الطاقم التمريضي ماديا وقانونيا ومعنويا"، مشيرا الى أن "النقابة تحفز الاطباء على البقاء في لبنان، لكن اذا لم نر الحلول السريعة فهجرة الكفاءات الطبية ستكون كارثية على لبنان الذي كان مستشفى الشرق، وعلى التعليم لان الكفاءات العالية لا يمكن ان نعوضها او ان نستردها بسهولة"، داعيا الدولة الى أن "تأخذ بعين الاعتبار الوضع المالي و الاقتصادي للاطباء اذا ارادت المحافظة على المستوى العلمي والطبي والصحي في لبنان والشرق".
ولفت الى أن الاطباء الذين يصابون بكورونا اثناء معالجتهم للمرضى المصابين بهذا الوباء، يضطرون الى دفع فرق تكلفة الدخول الى المستشفى، وانه طرح الموضوع مع وزير الصحة ومدير الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اللذين وعدا بالعمل مع المستشفيات والجهات الضامنة بان تكون تكاليف علاج هذا الطبيب الذي يضحي بحياته من اجل الاخرين مغطاة مئة بالمئة، وهذا امر بديهي.