(علي عبادي/ موقع قناة المنار)
لمناسبة الشكوك التي أثارتها وسائل إعلام أميركية ومسؤولون في الحكومة الأميركية حول الأرقام الحقيقية لضحايا كورونا في الصين، يغيب عن وسائل الإعلام الأميركية أن الحكومة في واشنطن تعامت لفترة غير بسيطة من عمر كورونا عن التقارير التي أشارت الى تفشي الفيروس في ولايات عدة، وفضّل الرئيس ترامب تكرار معزوفته التقليدية: All is well , everything is under control. وبما ان كل شيء يسير بشكل جيد وتحت السيطرة، تمددَ الفيروس والرئيس ومرؤوسوه يغطّون في العسل. والآن يرزح الشعب الاميركي في بطالة واسعة ويطلب الإعانات ويفتقد الى أبسط وسائل الوقاية، بينما يطالبهم البيت الابيض بارتداء كمامات أو وشاحات مصنوعة منزليا، وترك الكمامات الطبية للكوادر الطبية بسبب قلتها.
ترك المسؤولون الأميركيون شعبهم مكشوفاً وقائياً وعلاجياً، ونجد ترامب يبحث عن أي علاج ضد الملاريا او إيبولا ليزف “بشرى” التوصل الى علاج لكورونا. المشكلة ليست في ترامب ومرؤوسيه والطبقة السياسية المتواطئة معه فقط، بل أيضاً في تماهي وسائل إعلام رئيسية مع خط الحكومة، وصولاً الى الوضع الراهن. وإثارة وكالة بلومبيرغ الشكوك بحقيقة الإصابات في الصين يشير الى التشابك القوي بين توجهات هذه الوسائل وتوجهات الحكومة الأميركية حول السياسة الخارجية، لا سيما ما يتعلق الامر بالصين او روسيا او ايران او كوبا او فنزويلا. حينها الكل واحد لتقديم تفسير موحد.
توجد شكوك حول عدد المصابين في أميركا. لم يخضع الكثيرون لفحص الكشف عن الفيروس، رسمياً هذا ما يقولونه للتبرير. لكن ترك الأرقام كرة ضائعة يتداولها الكُهّان ليس مجرد مصادفة، لأن إخفاء الأرقام أو الإفصاح عنها يرتبط بسياسة الحكومة وأولوياتها وربما بمصالح شركات التأمين الصحي. الآن، قدّرت ادارة ترامب احتمال وفاة 100- 240 ألف أميركي بسبب كورونا. وعلى ذلك سيكون إنجازاً “عظيماً ” لو تم في نهاية المطاف تقليل العدد الى أقل من 100 ألف. وقد أبدى ترامب صراحة شعوراً بالسعادة اذا كان رقم 100 ألف هو الرقم النهائي.
ضياع الحدود بين الصحة والسياسة لا يقتصر على أميركا، وإن كانت النموذج الأبرز خاصة بعدما أصبحت على نحو متسارع البؤرة الرئيسية للمرض بتعداد يقرب من ربع عدد المصابين المسجلين في العالم. وعلى رغم فوارق هامة عن النموذج الأميركي الذي أوغل في حماية المصالح الرأسمالية على حساب الطبقات الفقيرة، ثمة دول عدة تكتمت او قللت من عدد المصابين لديها لأسباب اقتصادية واضحة، لأن المنطق الغالب لديها يقول بضرورة الإستمرار في الإنتاج، وهذا لا يتناسب مع تعطيل المؤسسات ودعوة الناس للحجر الصحي في المنازل.
على سبيل المثال، روسيا المحاذية للصين أصبحت في قلب المعركة مع كورونا بعدما كان عدد الإصابات محدوداً. وتركيا يقفز فيها الرقم بشكل غير طبيعي بعدما كانت الإصابات المسجلة فيها صفراً رسمياً قبل أسابيع. الملاحظة نفسها تسري على “اسرائيل” التي وصل مجموع المصابين فيها الى اكثر من 7 آلاف، وثمة من يتحدث عن 75 ألفاً في مدينة بني براك قرب تل ابيب والتي يتركز فيها اليهود المتدينون “الحريديم”، وفق صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية القريبة من نتنياهو. وتجربة “اسرائيل” تشبه كثيرا تجربة حليفتها أميركا من حيث العجز عن احتواء الفيروس وضعف أدوات التشخيص والوقاية (الكمامات) والعلاج (أجهزة التنفس الصناعي). وشغّل المسؤولون الاسرائيليون جهاز الموساد لاقتناص الكمامات وأجهزة الفحص والتنفس من السوق السوداء العالمية بأي طريقة. علماً ان الكيان الصهيوني يسوّق لنفسه صورة أنه واحة تكنولوجية وصناعية على كل الصعد، ومن بينها الصناعات الطبية.
في كل الأحوال، هناك فشل للأنظمة السياسية لا نظير له، الأنظمة التي تلهت بالسياسات الإقتصادية ذات البعد الأحادي الذي لا يلحظ الجانب الإجتماعي، وهو فشل أيضا للنماذج الإقتصادية التي تعاملت مع الإنسان على أنه آلة إنتاج فحسب بعيداً عن الإعتبارات الأخلاقية والبناء المجتمعي المتماسك والمتضامن. هذه السياسات لا بد أن تتغير بعد كورونا، لأن الثمن الداخلي الذي سيترتب على الأزمة وتداعياتها الإقتصادية يفوق أية منافع كانت مقدّرة للنمو الذي كان سيتحقق وأصبح واضحاً الآن أنه ليس سوى انكماش وركود قد يطول وقد يذهب بنا الى عدم استقرار سياسي وصراعات اجتماعية عنيفة.
https://almanar.com.lb/6487923