(جوليان بورغر/الغارديان)
قال مراسل صحيفة “الغارديان” جوليان بورغر، إن الرئيس الأمريكي وجد في منظمة الصحة العالمية هدفا يخفي وراءه فشله في التعامل مع أزمة كوفيد- 19، مشيرا إلى أن القرار غير الشريف لوقف الدعم عن المنظمة سيعرض الصحة العامة للخطر، خاصة أن التحرك من الرئيس جاء وسط مواجهة مع وباء عالمي، إلا أنه وجد المنظمة كبش فداء مناسب ليلقي عليها مسؤولية تأخر إدارته والفوضى التي اتسم بها رده على الأزمة.
وتعتبر الولايات المتحدة أكبر متبرع لمنظمة الصحة العالمية، حيث تقدم لها سنويا 400 مليون دولار، كمساهمة عضوية وتبرعات، رغم أنه هناك مستحقات عليها بـ200 مليون دولار.
ومن الناحية النظرية لا يستطيع البيت الأبيض وقف تمويل المنظمات الدولية والذي يفوضه الكونغرس بعمله. إلا أن الإدارة وجدت طرقا للتحايل على المعوقات التي يضعها الكونغرس، من خلال عدم دفع الأموال أو فرض العقوبات مثلا. ويمكن للإدارة إلغاء التمويل بشكل رسمي، إلا أنها بحاجة لموافقة من الكونغرس أو يمكن إعادة برمجتها من خلال تحويلها إلى مصدر آخر يقترحه البيت الأبيض ويقول إنه متوافق مع قرار وإرادة الكونغرس.
وتقول ألكسندرا فيلان، البروفسورة في مركز علم الصحة الدولية والأمن بجامعة جورج تاون: “مهما كان الشكل الذي سيتخذه، فهذا قرار ينم عن ضيق نظر وخطير علاوة على صدوره وسط وباء”.
وقال غافين يامي، مدير مركز أثر السياسة على الصحة الدولية بجامعة ديوك: “هذا قرار غريب سيترك أثره العميق على الصحة الدولية العامة”، وأضاف أنه “يحاول حرف النظر عن أخطائه التي قادت إلى أسوأ رد حكومي على كوفيد- 19″.
وهناك الكثير من المسؤولين انتقدوا أداء المنظمة خلال الوباء، ولكنه أحسن من أدائها أثناء وباء إيبولا عام 2014، وبالتأكيد أفضل من الطريقة التي تعاملت فيها الحكومة الأمريكية مع الأزمة الحالية.
وبدأت منظمة الصحة العالمية بدق ناقوس الخطر حول انتشار الفيروس في مدينة ووهان في الخامس من كانون الثاني/ يناير. وفي 7 كانون الثاني/ يناير أخذت بإصدار إيجازات يومية للمسؤولين الصحيين في الولايات المتحدة وبقية الحكومات الأخرى عبر مؤتمرات بالفيديو. وفي 9 كانون الثاني/ يناير، وزّعت المنظمة إرشادات للدول الأعضاء لكي تقوم بتقييم المخاطر والتخطيط لمواجهة الفيروس.
وبدأ ترامب وأنصاره بالتركيز على تغريدة لمنظمة الصحة العالمية في 14 كانون الثاني/ يناير والتي نشرتها على تويتر، واحتوت على ما توصلت إليه دراسة صينية “بعدم وجود أدلة واضحة” عن انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان.
وفي الوقت الذي يجب فيه على المنظمة نشر ما توصلت إليه الدول الأعضاء فيها، خاصة الدولة التي نشأ فيها الفيروس، إلا أن المسؤولين أخبروا نظراءهم في الدول الأخرى في 10 و11 كانون الثاني/يناير، في تقاريرهم وفي المؤتمرات الصحافية في 14 كانون الثاني/ يناير، ولم يستبعدوا فيها إمكانية انتقال الفيروس من إنسان إلى إنسان، في ضوء التجارب السابقة مع أنواع كورونا الأخرى.
ويرى يامي أن من السخافة بمكان توجيه تهمة الوباء إلى جهة بعينها وربطه بتغريدة نشرتها المنظمة بداية الأزمة “كل قضية تتعلق بالعلم هي وجود فرضيات أولية وفكرة مبدئية ونقوم بتحديث هذه الأفكار بناء على البيانات التي تظهر لاحقا”.
وفي 23 كانون ثاني/ يناير، قامت المنظمة بتعديل روايتها عن التهديد الذي يمثله فيروس كورونا مؤكدة انتقاله من شخص إلى آخر، وحذرت من المخاطر التي يمثلها على المجتمع الدولي. وبعد أسبوع أعلنت عن حالة طوارئ عالمية.
إلا أن ترامب اتهم يوم الثلاثاء المنظمة الدولية بعدم إرسال خبراء إلى مصدر الوباء لجمع العينات، وكان هذا الفشل نكسة في جهود مكافحة الفيروس. ولم يقل ترامب إن الصين منعت وفد المنظمة الدولية من زيارة ووهان في الأسابيع الأولى من انتشاره. وكان على مدير المنظمة تدروس أدانوم غيبرسيوس السفر شخصيا إلى بكين ولقاء الرئيس الصيني شي جينبينغ في 29 كانون ثاني/ يناير للتفاوض حول السماح لفريق المنظمة بالدخول إلى المدينة المنكوبة والتشارك في المعلومات. وسُمح لفريق المنظمة بدخول ووهان في 23 شباط/ فبراير. ويُتهم مدير المنظمة بمغازلة الرئيس الصيني، إلا أن أنصاره يرون أن هذا كان ثمن السماح لوفد المنظمة بدخول ووهان.
وقام الرئيس ترامب بأكثر من المغازلة مع الصين، ففي تغريدة نشرها يوم 24 كانون ثاني/ يناير، قال فيها: “تقوم الصين بمحاولات جادة لاحتواء الفيروس وتثمن الولايات المتحدة جهودهم وشفافيتهم”.
كما أن زعم عدم توفر العينات تسببت في شلل المجتمع الدولي لمواجهة الفيروس غير صحيحة، ذلك أن العلماء الصينيين نشروا التسلسل الجيني لكوفيد- 19 في 11 كانون ثاني/يناير.
وبحلول شباط/ فبراير، كانت المنظمة توزع الفحوصات لكوفيد- 19 حول العالم. ولكن الولايات المتحدة قررت عدم تسريع طلبها، وقام مركز السيطرة على الأمراض ومنعها، بإجراء فحصه الخاص في نفس الوقت، وكان غير صحيح ولهذا تمت استعادته.
وكان الفحص الأمريكي متأخرا ستة أسابيع مقارنة مع الفحص العالمي. ولعدم وجود فحوصات في الولايات المتحدة خلال شباط/ فبراير وقلة أعداد المصابين، اعتقد ترامب أن بلاده قد أفلتت من الفيروس. وتفاخر في 24 شباط/ فبراير بالقول: “فيروس كورونا تحت السيطرة في الولايات المتحدة” و”نحن على تواصل مع الجميع وكل الدول المعنية. ويعمل مركز السيطرة على الأمراض مع منظمة الصحة العالمية يداً بيد وبطريقة ذكية وبدأت الاسواق المالية تبدو جيدة بالنسبة لي”.
وقرر ترامب التحرك ضد المنظمة الأسبوع الماضي، بعدما بدا أن الأعداد المتزايدة من الوفيات والإصابات هي نتاج عجز وتواطؤ إدارته. ويمكن أن تقوم دول أخرى بتعويض المساعدة الأمريكية، خاصة أنها عبرت عن ثقتها بالعمل الذي تقوم به المنظمة الدولية.
وأعلنت بريطانيا عن 200 مليون جنيه استرليني لمكافحة الوباء عالميا، منها 65 مليوناً ستذهب إلى منظمة الصحة العالمية. ولا يعرف أثر قرار ترامب تحويل منظمة الصحة العالمية لكبش فداء على الانتخابات الأمريكية، لكن قراره سيكون دليلا جديدا على تخلي الولايات المتحدة عن ريادتها العالمية.