نقلاً عن موقع العهد الاخباري - فاطمة سلامة
كما في أوقات الحرب، تبدو الحاجة ملحة لطاقم عسكري ومعدات عسكرية تصد الاعتداءات الخارجية. كذلك تبدو الحاجة ملحة اليوم لجهود الطاقم الطبي والمعدات الطبية لمواجهة فيروس "كورونا"؛ تلك الأحجية التي حيّرت معها العالم. إجراء المقارنة والاستعارة هنا في محلها، فكما كانت قوة لبنان في جيشه ومقاومته، هي اليوم في أطبائه و"مستشفياته". مستشفى رفيق الحريري الحكومي على سبيل المثال صنع بمواكبة وإشراف وزارة الصحة من الضعف قوة وتحولّ الى نموذج فريد في معركة الـ"كورونا". التجربة تلك نحن في أمس الحاجة الى تعميمها على كافة الأراضي اللبنانية لمحاربة الجرثومة المستجدة بجهود من المستشفيات الحكومية والخاصة. الأخيرة تعاني ما تعانيه اليوم من مشاكل بدأت تطفو على السطح في ذروة المواجهة مع الفيروس المستجد. مشاكل يلوح معها شبح إقفال 20 مستشفى خاصاً، وفق ما يقول نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون لموقع "العهد" الإخباري. وفق حساباته، فإنّ 126 مستشفى خاصاً في لبنان، جميعها تعيش وضعاً صعباً، إلا أنّ جزءاً منها بات في وضع شبه ميؤوس منه إن لم يتم تدارك الأزمة. فما أسباب تلك الأزمة؟ وما الآلية المطروحة للحل سيما وأنّ اجتماعات واتصالات عدة أجريت لحلها خلال الساعات القليلة الماضية؟.
تخلف عن دفع المستحقات وشغور في الأسرة بنسبة 80 بالمئة
عضو كتلة "التنمية والتحرير" ورئيس اتحاد المستشفيات العربية النائب فادي علامة يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن أصل مشكلة المستشفيات الخاصة، فيوضح أنّ حقوق المستشفيات تتراكم منذ عام 2012 حتى اليوم ليس على وزارة المالية فقط -لأنّ هناك لغطاً يسود في هذا الصدد- بل على معظم الجهات الضامنة الرسمية من جيش، قوى أمن،أمن دولة، تعاونية موظفي الدولة وغيرها من الجهات التي لا تبادر للدفع في الوقت المحدد، ما أدى الى تراكم مستحقات بقيمة 2000 مليار ليرة. هذا التخلف عن دفع المستحقات لصالح المستشفيات الخاصة، أضيف اليه مجموعة عوامل أخرى ساهمت في وصول المستشفيات الخاصة الى وضع "كارثي" وفق ما يقول علامة. برزت لدينا أزمة ارتفاع القيمة التشغيلية نتيجة غلاء الأسعار، فالتلاعب بسعر صرف الدولار رفع كلفة المستلزمات المسعّرة منذ ما يقارب الـ15 سنة على أساس أن الدولار يساوي 1500 ليرة، ليصبح اليوم بسعر السوق السوداء. بدء أزمة "كورونا" أيضاً فاقم المشكلة، فهذه المستشفيات باتت تعاني من شغور في أسرتها بنسبة 80 بالمئة، في الوقت الذي بقيت فيه المصاريف التشغيلية كما هي.
التزامات بسعر السوق السوداء
ويشير علامة الى نقطة أخرى فاقمت الأوضاع، فهذه المستشفيات لديها التزامات باتجاه المصارف، بعد اعتمادها على التسهيلات المالية للبنوك للتمكن من الاستمرار وسد ثغرة تأخر دفع المستحقات. هذه التسهيلات توقفت، بينما بقي تسديد الالتزامات واجباً على هذه المستشفيات التي وجدت نفسها مضطرة لدفع السندات الخاصة بالماكينات والأجهزة الطبية غالية الثمن والتي جرى تمويل جزء منها عبر المصارف. هذا الأمر يلقي بعبء جديد جراء التسديد بالدولار وفقاً لأسعار السوق السوداء. أزمة أخرى يدلل عليها علامة تتعلق بالمستلزمات الخاصة بـ"كورونا"، والتي تباع لهذه المؤسسات بسعر السوق السوداء وبأسعار غالية الثمن، مع الإشارة الى أنّ العالم بأسره يشكو قلة هذه المستلزمات.
هذه الأزمات والعوامل كلها مجتمعة أوصلت الوضع الى ما نحن عليه اليوم، يقول علامة، الذي يختصر المشهد بالإشارة الى أنّ المستشفيات فارغة، وعليها مستحقات ومسؤوليات حيال موظفيها، اذ إن 60 بالمئة من المصاريف تذهب رواتب وأجوراً، فنحن في النهاية أمام قطاع خدمات، مع اضطرار بعض المستشفيات الى تكثيف العطل للموظفين، وتقليص ساعات خدمتهم، وهذا كله أوجد أزمة مالية اجتماعية ضاغطة في الوقت الذي يجب أن نكون فيه جاهزين ومتفرغين لمعركة "الكورونا".
نسبة العمل تراجعت الى 20 بالمئة
ما يقوله علامة، يؤكّد عليه نقيب المستشفيات الخاصة في حديث لموقعنا. برأي النقيب هارون فإنّ الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل عمرها سنوات، فالمستحقات تتراكم منذ عام 2012، حتى بلغت قيمة الكسورات 2000 مليار ليرة. وفق هارون، لم يكن الوضع بهذا السوء الذي نراه اليوم، إلا أنّ اجتماع الأزمات دفعة واحدة زاد الطين بلة. فبالاضافة الى المستحقات غير المدفوعة، برزت أزمة التلاعب بسعر صرف الدولار التي رفعت تكاليف القيمة التشغيلية بشكل كبير جداً، وباتت الأسعار معها مضاعفة. تماماً كما برزت أزمة فيروس "كورونا" التي حتّمت علينا عدم استقبال المرضى واقتصار الأمر على معالجة الحالات الطارئة، لتتراجع نسبة العمل في المستشفيات الخاصة الى 20 بالمئة فقط. كل هذه الأزمات اجتمعت دفعة واحدة فبات معها مصير المستشفيات مهدداً، يقول هارون الذي يرسم المشهد كالآتي: لا مقبوضات من الدولة على المستحقات القديمة، ولا مقبوضات جديدة جراء تراجع العمل، يرافق ذلك ارتفاع في التكاليف ما فاقم الأزمة بشكل كبير.
المستشفيات الخاصة لا تبتز الدولة
وفي سياق آخر، يأسف رئيس اتحاد المستشفيات العربية للكلام الذي يقوله البعض لناحية أن المستشفيات الخاصة تبتز الدولة في عز معركة "الكورونا". أزمة المستشفيات الخاصة قديمة جدا وزاردت اليوم لأن المعادلة القديمة لم تعد موجودة. على ماذا تقوم تلك المعادلة؟. يجيب علامة بالإشارة الى أنّ المستشفيات كانت تنتظر أحياناً 13 شهراً أو حتى 20 شهراً لقبض مستحقاتها من المؤسسات الضامنة الرسمية، لكنها في المقابل تيسّر أمورها بالتسهيلات المأخوذة من المصارف. هذا الأمر اليوم لم يعد موجوداً منذ تشرين الأول 2019 وبدء الأزمة المصرفية.
ويُشدد علامة على أننا اليوم بحاجة الى المستشفيات الخاصة، فهذه المستشفيات في الأيام العادية تقدم 80 بالمئة من الخدمات الاستشفائية في لبنان، ولديها دور أساسي باستطاعتها أن تلعبه في معركة "الكورونا"، حيث كلف جزء منها وحضّر نفسه ليكون شريكاً مع المؤسسات الحكومية. هؤلاء جاهزون اليوم لكن ليس لديهم القدرة التشغيلية لأن هناك شحا بالسيولة، يقابلة قله موارد. المستشفيات الخاصة كانت تستقبل في اليوم حوالى الـ8000 مريض في كل المحافظات بلبنان. هؤلاء طلب منهم التقليل من الحالات الباردة والتجهيز لمعركة كورونا، فتوقفت كل الخدمات، وتوقفت التسهيلات المصرفية، وتراكمت المستحقات. هذا الوضع -برأي علامة- دفع الجميع الى المناداة بضرورة إيجاد حل لهذه المعضلة وبأسرع وقت ممكن. هذه التوصية جرت الاشارة اليها في مختلف الاتصالات واللقاءات التي عقدت، والتي يبدو أنها تثمر حلاً.
ما آلية الحل المطروحة؟
وفيما يلفت نقيب المستشفيات الخاصة لموقعنا الى أنّ رئيس لجنة المال والموازنة النيابية النائب ابراهيم كنعان يتولى دفّة المفاوضات للعثور على حل ما للإنقاذ، يوضح أنّ كنعان أجرى اتصالات بالرؤساء الثلاثة وأبلغني أنه جرى الاتفاق على آلية معينة لصرف ما يقارب الـ600 مليار ليرة للمستشفيات الخاصة، تقسّم على شهرين. كل شهر يجري صرف 300 مليار ليرة. هذا المبلغ -وفق هارون- يعطي المستشفيات "الأوكسيجين" للاستمرار. برأيه، فإنّ الأزمة تتطلب عملية ضخ سريعة بهذه القيمة للإنقاذ. وفي هذا الصدد، يلفت النائب علامة الى أنّ الـ600 مليار ليرة هي مستحقات للمستشفيات منذ منتصف 2019 لغاية آخرها. وقد جرى الاتفاق في اللقاء مع وزير المالية غازي وزني على أن الحل الأسرع هو أن يصار الى إنجاز مشروع قانون من الحكومة يرسل الى مجلس النواب ويسمح بتخصيص اعتماد جديد بمبلغ الـ600 مليار ليرة لصرفها. هذه الطريقة -وفق علامة- هي أسرع حل اليوم من المفترض أن يعتمد وأن يتبلور في آلية واضحة. تلك الآلية قد يتم طرحها -حسب علامة- في جلسة الغد الحكومية، وفي حال صدرت في مشروع قانون، من المتوقع أن تذهب الى مجلس النواب، ونحن نتوقع أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري الى جلسة تشريعية قبل بداية شهر رمضان، وإن شاء الله يدرج هذا البند على جدول أعمالها ويقر لتأخذ المستشفيات الخاصة أوكسجيناً للاستمرار، يختم علامة.
لقراءة المقال من الموقع اضغط هنا