نقلا عن الجزيرة نت
مع بداية جائحة كورونا كان اليمنيون يتابعون شاشات التلفزيون لمعرفة عدد الإصابات وكيف أطاح الوباء بدول كبرى، ليتملكهم الخوف وهم يدركون أن المنظومة الصحية في بلادهم منهارة.
ومع بداية الوباء في اليمن كان سامي الحاج وهو طبيب عام وجراحة يشرف على حالة من أسرة ميسورة الحال في منزلها، ويقابل ذلك بتقدير من الأهل الذين يبذلون المال والإمكانيات ليشفى قريبهم. وكان الأطباء ومنهم الدكتور سامي الحاج يتوقعون أن انتشار الوباء سيُفقد كل بيت شخصا أو شخصين.
من أجل الفقراء
كان هَم الحاج يتركز في الأشخاص الذين ينامون على الأرصفة ولا يمتلكون شاشة تلفزيون، ولا يعرفون عن الوباء وحجم الكارثة التي يعيشها العالم شيئا. هذه الفئة الكبيرة التي أثخنت جراحها الحرب، ولم يعد يهمها سوى ماذا ستأكل وأين ستنام؟
شغل هذا الهَم الحاج الذي كان يعمل لأجل ألا يموت أي شخص بسبب فقره المعرفي لأن ذلك سيجعل الأطباء محاسبين أمام الله، وعليهم أن يقدموا للناس ما تعلموه.
"أوقفني إذا كنتَ بحاجة لاستشارة طبية"
يقول الحاج للجزيرة نت "كنت أفكر بهؤلاء الناس فكانت فكرة مبادرة بعنوان (أوقفني إذا كنتَ بحاجة لاستشارة طبية) الذي وضعه كلاصق على سيارته للفت انتباه الناس في الشارع بوجود طبيب يستطيعون الحديث معه واستشارته".
من وجهة نظر الحاج فإن الأطباء في مواجهة كورونا مقاتلون، وعليهم مساعدة الناس وتزويدهم بالمعلومة والتثقيف، لما لها من تأثير كبير عندما تأتي من طبيب.
فكان يحرص أثناء ذهابه إلى عمله أو قضاء بعض مشاوريه على المرور في الأحياء المزدحمة والشوارع الضيقة ليتحدث مع الناس الذين كانوا يشاهدون العبارة المكتوبة على سيارته ويتوجهون إليه.
كان البعض يعطونه أرقام هواتفهم ليتحدث مع أسرهم الذين لديهم أعراض "كوفيد-19" والبعض يعرض عليه فحوصات ليقدم له استشارة طبية.
تفاعل مجتمعي وطبي
تفاعل الناس بشكل كبير لدرجة أنهم كانوا يتجمعون حول الطبيب في الشارع دون مراعاة إجراءات التباعد الاجتماعي، الأمر الذي كان يقلقه، ويوجههم باتخاذ مسافات تباعد مناسبة.
كما اكتشف الحاج أمراضا أخرى لأشخاص لا يعرفون عنها شيئا ولا يساعدهم وضعهم الاقتصادي والمعيشي على زيارة الأطباء.
لم يحصِ الحاج عدد المستفيدين من المبادرة، لأنها كانت إنسانية على حد قوله ولم يهتم بإحصاء المستفيدين الذي يقول إن عددهم كبير، بقدر اهتمامه بتقديم خدمة إنسانية. ففي كل مرة كان يتم إيقافه للاستشارة يستفيد فيها ما بين 30 إلى 50 شخصا، بحسب تقديره.
خدمات طبية مجانية
بعد أن لقيت هذه المبادرة صدى واسعا حظيت أيضا بتفاعل كبير من الأطباء بشكل لم يكن يتوقعه الطبيب الحاج، فتفاعل معه استشاريون واختصاصيون قدموا خدمات طبية مجانية كعمليات جراحية وفحوصات مخبرية وشاركوا أيضا في التثقيف الصحي والرعاية الصحية.
يؤكد الحاج أن الهدف من المبادرة هو استفادة الفئة الأشد فقرا الذين يعيشون بلا حماية أو وقاية طبية، ويقاسون من متاعب الحياة.
ولم تكن رغبته أن تمتد الاستشارة إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليقينه أن من يستطيع ارتياد هذه المواقع يمكنه الحصول على الاستشارة من أي موقع آخر على النت، ورغم ذلك تلقى الكثير من الاستشارات ومازال يتعامل معها حتى اليوم.
تقدير وضغوط
هذه التجربة لم تخلُ من المواقف التي أثرت بنفسية الدكتور سامي الحاج منها التقدير والاحترام الذي لمسه من المواطنين في الشارع والأماكن العامة.
ومن المواقف المؤثرة عندما وجد الحاج رجلا أمام براميل القمامة يبحث عن بقايا طعام لأسرته، وكانت تظهر عليه أعراض كورونا. ولم يكن في متناول سامي من شيء سوى تزويده ببعض الأدوية، وجرعة تثقيفية بشأن كيفية التعامل مع الوضع.
ومن الأوجه غير المرئية لهذه المبادرة، الضغط الشديد الذي أثر على عمل الحاج والتزاماته الأسرية، لكنه كان يستمتع بذلك كونه من بادر بعرض خدماته للناس وليقينه أن مهنة الطب إنسانية بدرجة أساسية لا تجارية.
عمل إنساني بروح مثابرة
ويتعامل سامي الحاج مع العمل التطوعي والإنساني بروح مثابرة وبحب غزير، ويرجع ذلك لقصة تأثر بها ظلت والدته تكررها عليه باستمرار.
القصة مفادها أن ولادة سامي كانت متعسرة، وكان تقدير الأطباء حينها أنه قد يموت، أو يعيش حالة إعاقة لأنه كان يعاني من نقص في الأكسجين.
وقتها تطوعت طبيبة أجنبية في مستشفى جبلة بمحافظة إب وسط البلاد للمساعدة في ولادته، وكان لهذه القصة تأثير كبير في سلوكه، معتقدا أن والدته كانت تكرر هذه القصة على مسامعه لتزرع فيه حب العمل التطوعي.
وتأتي هذه المبادرة في ظرف صعب قدم فيه الكادر الطبي 109 شهداء من العاملين في القطاع الصحي بينهم 68 طبيبا من أعضاء نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين حسب إحصائيات النقابة.
ويقول نائب نقيب الأطباء والصيادلة اليمنيين الدكتور محمد المهيوبي إن الأطباء واجهوا كورونا من دون إمكانيات ولا رواتب ولا حماية وفي وضع صحي متدهور للغاية، وهذا أمر محط اعتزاز وفخر.
وأعادت هذه المبادرة الثقة بالطبيب اليمني الذي لم تكن مبادرة الحاج إلا صورة مبسطة لمبادرات متعددة قدمها الأطباء اليمنيون لتغطية عجز وضع صحي منهار، وحالة حرب خلقت أوجاعا كثيرة تفوق أوجاع واختناقات كورونا.