(موقع العهد الإخباري)
في مثل هذه الأيام من العام الماضي ظهرت الاصابات الأولى بفيروس كورونا في مدينة ووهان الصينية، لينتشر بعد فترة زمنية قصيرة في مختلف بلدان العالم كالنار في الهشيم، ويتحول من وباء الى جائحة، جعلت القوى الكبرى المتقدمة تترنح تحت وطأة الضربات القاصمة للفيروس والتي طالت شتى مناحي الحياة ومفاصلها وكل دقائقها وتفاصيلها دون استثناء، ولتكشف بالتالي عن الكثير من الضعف والوهن والخلل والخواء في بنى وهياكل ومنظومات اقتصادية وعلمية وصحية ومالية وسياسية كان ينظر اليها بقدر هائل من الاعجاب والاكبار والانبهار.
وطبيعي جدًا أن يصار بعد عام على ظهور تلك الجائحة غير المسبوقة، الى قراءتها وتقييمها على ضوء الحقائق والمعطيات والاثار والتداعيات التي خلفتها وما زالت، وطبيعي جدًا أن تنطلق تلك القراءات والتقييمات من زوايا مختلفة بحسب مساحات الاهتمام والتأثر والتأثير، مع الأخذ بعين الاعتبار التداخل والتشابك الكبير في تلك المساحات.
ابتداء، لعل ما يستحق الاشارة اليه، هو أنه رغم مرور عام على ظهور الفيروس، لم يتضح بصورة دقيقة زمان ومكان ذلك الظهور، فالبعض يشير الى التاسع عشر من شهر كانون الاول-ديسمبر من عام 2019، والبعض الآخر يذهب الى أن الفيروس ظهر لأول مرة في منتصف شهر تشرين الثاني - نوفمبر، فيما يتحدث فريق آخر عن ظهوره في شهر تشرين الاول - اكتوبر، وفي الوقت الذي فهم العالم فيه أن الصين كانت هي مصدر الفيروس، حينما ظهرت أولى الاصابات فيها، تذهب بعض التقارير الى أن الظهور الأول للفيروس كان في فرنسا وليس الصين.
وكذلك، فإنه رغم مرور عام على "كورونا" ما زال الجدل والسجال في داخل المحافل السياسية والعلمية والاستخباراتية محتدما، حول الفيروس، وفيما اذا كانت تقف خلفه مؤامرة، أم لا.
الى جانب ذلك، فإن العلم أثبت حتى الآن اخفاقه الكبير والفاضح في التوصل الى أسباب ظهور الفيروس، وعوامل انتشاره وتفشيه، ووسائل مواجهته واحتوائه وتطويقه، إن لم يكن القضاء عليه بالكامل، فلا حر الصيف اللاهب أنهاه، ولا العقاقير والمعقمات والكمامات احتوته، ولا التجارب العلمية والمخبرية اكتشفت اللقاح الفعال والناجع لمنع تفشيه، فبعد أن تنفست أوروبا الصعداء لبعض الوقت، عادت اليوم لتعيش أجواء الرعب والخوف والقلق مجددًا، لا سيما مع الحديث عن ظهور سلالة جديدة من الفيروس في بريطانيا، وتوارد المؤشرات الى انتقالها لبلدان أخرى، وبينما يقول عدد من الخبراء "إن السلالة الجديدة من فيروس كورونا المستجد -سارس-كوفيد 2- تتطلب قيودا أكثر صرامة لكبح جماح انتشارها، مما دفع المملكة المتحدة إلى إعادة فرض تدابير الإغلاق في لندن وجزء من إنكلترا بما يشمل نحو ستة عشر مليون نسمة"، أعلنت عدد من دول العالم في مقدمتها ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وكندا والمغرب والسعودية عن تعليق رحلاتها الجوية مع بريطانيا، خوفًا من انتقال السلالة الجديدة إليها.
ولم ينكر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مظاهر الخوف والقلق والارتباك، حين قال مؤخرا "نتفهم وجود بواعث قلق حولنا بشأن السلالة الجديدة لكورونا وقد باشرنا بأجراءات لوقف انتشارها".
ولا شك أن التداعيات الصحية الخطيرة لجائحة كورونا في شتى بقاع العالم، انعكست على الواقع الاجتماعي والواقع الاقتصادي، وأكثر من ذلك، ألقت بظلالها على المشهد السياسي العالمي العام، حتى أن أنظمة وحكومات دول كبرى، راحت تستخدم مختلف أدوات ووسائل التضليل والخداع السياسي من أجل قلب وتزييف الحقائق، ولعل الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب وادارته الحاكمة، مثل أوضح وأبرز مصداق على ذلك، لا سيما من خلال سجالاته ومهاتراته المتواصلة مع كبير مستشاريه الصحيين ومدير المركز الوطني للحساسية والأمراض المعدية انتوني فاوتشي.
وثمة من يرى أن ممارسة الخداع والتضليل السياسي في قضية خطيرة جدًا، من قبيل جائحة كورونا، اريد منه تحقيق مكاسب سياسية وتجنب فقدان المواقع والمناصب والامتيازات والسلطة والنفوذ، وهذه الرؤية صحيحة الى حد كبير، الا أنها تمثل جزءًا من صورة الواقع، لأن وراء الخداع والتضليل السياسي حسابات ومصالح اقتصادية ضخمة، وتنافس محموم على استغلال أسوأ الظروف والأحوال لجني المزيد من المكاسب والأرباح، على حساب مصير عشرات -ان لم يكن مئات الملايين- من الأشخاص، فالكثير من الأرقام تشير اليوم الى الاعداد الهائلة التي تضررت أوضاعها الحياتية جراء جائحة كورونا، بسبب فقدان الوظائف، أو التراجع الحاد في المداخيل المالية وغياب البدائل المطلوبة، أو نتيجة التعرض للجائحة والعجز عن تلقي العلاج المطلوب. هذا في مقابل نجاح شركات ومؤسسات تجارية بجني أرباح مالية طائلة بفضل "كورونا"، على قاعدة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، ولا نبالغ اذا قلنا، إن ذلك التنافس المحموم بين شركات أميركية وبريطانية وصينية وروسية على انتاج لقاح مضاد لكورونا وتسويقه الى مختلف دول العالم، هو من المصاديق والأمثلة الفاضحة والواضحة على ذلك الاستغلال البشع للكوارث والأزمات من قبل الكبار.
وربما هناك جهات تحرص على متابعة واحصاء أعداد المتوفين والمصابين بفيروس كورونا، ويهمها كثيرًا تصاعد الأرقام لا تراجعها وانخفاضها، فالترويج لمناعة القطيع (Herd immunity) في ذروة تفشي الجائحة في اوروبا والولايات المتحدة الاميركية واميركا اللاتينية وأجزاء من آسيا، لم يأت عفويا ولا انطلق من نوايا حسنة، ناهيك عن أن السعي المحموم للحفاظ على ديناميكية الاقتصاد على حساب أرواح الناس وصحتهم، عكس بوضوح انحسار أو غياب البعد الانساني في التعاطي مع الجائحة، بحيث إن دولًا عديدة بلغت الاصابات والوفيات اليومية فيها معدلات مرعبة، بيد أن الأمور بدت بالنسبة لها طبيعية، وكانت التبريرات والتفسيرات غير الواقعية ولا المنطقية تتوالى على ألسنة كبار الساسة وأصحاب القرار فيها.
وبدون مواربة، فإن التخبط والارتباك والفوضى والاستغلال الذي ترافق طيلة عام كامل مع جائحة كورونا، سيترك آثاره وتداعياته السلبية على الصعيد المستقبلي، وتحديدًا في اطار العام المقبل 2021، اذ انه حتى الآن لم تلح في الأفق مؤشرات واضحة ومقنعة على تبلور حلول ومعالجات علمية وعملية، بعيدًا عن أجندات السياسة وحسابات المال.
ومتى ما تجلت واتضحت صورة الأسباب والمسببات، والدوافع والأهداف، واللقاح والعلاجات، سيكون حينذاك ممكنًا الحديث عن حلول وانفراجات وآمال بنهاية الوباء، فبداية النهاية ما زالت بعيدة عن المنال!.