(موقع الخليج أونلاين)
بينما كان العالم يتهيأ لعودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل ظهور فيروس كورونا المستجد، معتمداً في ذلك على تطوير شركات عالمية أكثر من لقاح للمرض الذي أصاب قرابة مليوني إنسان وأودى بحياة أكثر من مليون و700 ألف، جاء ظهور سلالة جديدة من الفيروس لتعود بالأمور إلى ما كانت عليه قبل ظهور اللقاح.
وكانت الحكومة البريطانية قد صدمت العالم عندما أعلنت (الأحد 20 ديسمبر) أن السلالة الجديدة للفيروس التي ظهرت جنوبي المملكة المتحدة، قد خرجت عن السيطرة، لتنطلق عمليات الإغلاق سريعاً في عدّة دول، خوفاً من الوافد الجديد.
وأدى الانتشار السريع للسلالة الجديدة إلى رفع مستوى القيود المفروضة على الاختلاط بين ملايين البشر في وقت كانوا يستعدون فيه للاحتفال بأعياد الميلاد.
وأكد مسؤولو الصحة في بريطانيا أن هذه السلالة الجديدة أكثر قدرة على الانتشار من السلالة الأولى، ورغم أن الأمور لاتزال في بداياتها، فإن الغموض يكتنفها وتثير قائمة طويلة من الأسئلة.
ودفع الخوف المتصاعد من هذه السلالة عدداً من الدول إلى حظر السفر من وإلى بريطانيا التي فرضت سلطاتها المستوى الرابع من تدابير مكافحة الفيروس.
وحظرت أكثر من 40 دولة وصول الوافدين من بريطانيا بسبب مخاوف من انتشار سلالة جديدة من فيروس كورونا. وعلّقت الرحلات الجوية من بريطانيا إلى عدد من الدول في جميع أنحاء العالم.
دول خليجية سارعت إلى الإغلاق
وخليجياً، قررت السعودية والكويت وسلطنة عُمان تعليق الرحلات الجوية وإغلاق الحدود البرية والبحرية مدة أسبوع قابلة للتجديد؛ على خلفية ظهور السلالة الجديدة من الفيروس.
وجاء الإغلاق الجديد في وقت بدأت فيه السعودية حملة واسعة لتطعيم السكان ضد الفيروس، في حين تترقب الكويت وعُمان وصول الشحنات الأولى من لقاح شركة فايزر خلال ساعات.
وشهدت الشهور الأربعة الماضية عودة تدريجية لرحلات الطيران، التي توقفت بشكل كامل منذ مارس، في محاولة للحد من انتشار الفيروس، تمهيداً لعودتها إلى ما كانت عليه قبل كورونا في 2021.
لكن السلالة الجديدة دفعت الدول لتعليق الرحلات مجدداً في وقت كانت شركات الطيران تطالب بتخفيف أكبر للقيود المفروضة على حالة السفر لتقليص خسائرها.
وتصدر قطاع الطيران قائمة القطاعات التي أصابها فيروس كورونا باختناق كامل حتى كاد يودي بحياة بعضها؛ بعدما توقفت حركة الطيران العالمية بشكل شبه كامل لنحو 6 أشهر، قبل أن تعود بشكل حذر.
وخسر قطاع الطيران السعودي 7.5 مليار دولار جرّاء الموجة السابقة من الفيروس فيما خسر نظيره الإماراتي نحو 4 مليارات، تلاه الطيران القطري بـ1.92 مليار دولار، ثم الكويتي بـ1.6 مليار دولار، فالعماني بـ520 مليون دولار، والبحريني بـ500 مليون.
تراجع اقتصادي
يتوقع المحلل الاقتصادي الأردني "نمر أبو كف" أن العام 2021 سيشهد مزيداً من التراجع الاقتصادي في دول الخليج في حال استمرار الإغلاق وإيقاف حركة الطيران، بعد انتشار سلالة جديدة من كورونا.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، توقع أن تزيد نسبة الخسائر إلى أكثر من 5 ملايين وظيفة مرتبطة بصناعة السفر والسياحة فقط حول العالم، مشيراً إلى تقرير صدر مؤخراً من الاتحاد الدولي للطيران أكد أن شركات الطيران تخسر في الدقيقة 300 ألف دولار.
وأضاف: "2020 شهد انخفاض الركاب بنسبة 70% عن 2019، حيث كان عددهم في العام الماضي ملياراً و200 مليون إنسان، وفي حال استمرار الجائحة وانتشار سلالة جديدة من كورونا، وإغلاقات حركة الطائرات، فربما نرى أيضاً انخفاضاً قد يلامس 90%، إلا في حال ساهم اللقاح في وقف هذه الجائحة".
ويشير إلى أن طيران دول الخليج في 2020، تعرض لخسائر بلغت 16 ملياراً و400 مليون دولار. كما توقع أن ترتفع ديون الحكومات إلى أكثر من 100 مليار دولار، بسبب تأثر الإيرادات النفطية، حيث تعتمد دول الخليج الست في إيراداتها على النفط بنسبة تتجاوز 90%.
وتطرق أبو كف إلى ما نشرته وكالة "ستاندرد آند بورز جلوبال" الأمريكية، من توقعات بأن يصل العجز في ميزانية دول الخليج إلى 490 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، منها 180 ملياراً خلال العام 2020، وربما تزداد في العام القادم في حال استمر الإغلاق وتأثرت أسواق النفط.
كما تطرق إلى توقعات وزارة المالية السعودية بأن يصل عجز الميزانية في 2021 إلى 145 مليار دولار، مضيفاً: "وهناك توقعات أن تشهد دول الخليج البقية انكماشاً كبيراً في ميزانيتها".
وتابع: "الآن تواجه الدول الخليجية تراجع الاحتياطي الأجنبي بـ133 مليار دولار خلال العام الحالي، وإذا استمرت في العام القادم فستضطر إلى السحب من احتياطاتها، بما قد يسهم في خلق مشاكل كبيرة لدول الخليج، لأن معظم احتياطاتها الأجنبية تأتي من صادرات النفط".
ولفت إلى أن دول الخليج تحاول ضخ سيولة وأن تنعش اقتصاداتها عن طريق انعاش القطاعات التي تضررت من الجائحة، واستمرار دفع الرواتب والقيام بالتزاماتها. إلا أنه يرى أن هذا الأمر "لن يستمر طويلاً، لأن سوق النفط العالمي غير متوقع أن يتعافى في الوقت المنظور، من بينها قيام عدد من الدول المستهلكة للنفط باستغلال تراجع أسعار النفط في 2020، وتخزين كميات كبيرة تكفيها للسنوات القادمة، وأيضاً استمرار دول النفط في الحصول على العملات الصعبة للإنتاج وضخ البترول في السوق العالمية بنفس الوتيرة".
وأضاف، في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "هناك معلومات تقول إن التراجع سيكون إلى 5 ملايين برميل في اليوم، وربما يعود تنافس آخر في الدول المنتجة لتعويض النقص في ميزانيتها، ورغبتها في الحصول على العملات الصعبة".
وتوقع أيضاً أن يكون العرض أكثر بكثير من الطلب، "وقد نشهد في 2021 تراجعاً كبيراً في أسعار النفط، وهو ما يقابله تراجع كبير في إيرادات دول الخليج، ما قد يؤثر في كل القطاعات، من هذا التراجع، ومن الإغلاق وتوقف حركة الطيران".
ومن بين القطاعات التي ستتضرر "الاستيراد والتصدير، إضافة إلى القطاع الخاص، الذي سيلجأ إلى تسريح عدد كبير من العمال، وهذا يعني تراجع مزيد من إيرادات الدولة من الضرائب والجمارك".
ديون تاريخية لتغطية خسائر غير مسبوقة
وتوقع بنك الكويت الوطني تجاوز وتيرة إصدار أدوات الدين الخليجية أكثر من 100 مليار دولار خلال العام الجاري. وقال في تقرير (21 نوفمبر) إن وتيرة إصدار أدوات الدين الخليجية تواصل قوتها منذ بداية العام، نتيجة لتزايد الاحتياجات التمويلية في ظل تصاعد الضغوط المالية الناجمة عن جائحة كورونا.
وفي يونيو الماضي، توقع صندوق النقد الدولي انكماش اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 7.6% هذا العام، بسبب الجائحة. فيما توقعت وكالة "ستاندرز أند بورز" للتصنيف الائتماني، أواخر يوليو، وصول عجز موازنات دول المجلس إلى 490 مليار دولار بحلول 2023، وقالت إن السعودية ستستحوذ على 55% من نسبة هذا العجز.
ومطلع ديسمبر الجاري، قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن حكومات الخليج تضررت بشدة من الجائحة، وإن بعض هذه الحكومات قد لا يتمكن من الوفاء بالتزاماته ودفع رواتب موظفيه ما لم يتخذ إجراءات عاجلة.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قال، في 12 نوفمبر الماضي، إن الإيرادات النفطية تراجعت إلى 109 مليارات دولار خلال السنة المالية الحالية بسبب تداعيات كورونا، مشيراً إلى أن الإيرادات المالية وحدها للمملكة بعد الجائحة "لا تكفي بند الرواتب الذي يقدر بـ 130 مليار دولار".
وارتفع الدين العام السعودي خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري إلى 847.753 مليار ريال (226.1 مليار دولار)، وبلغ إجمالي تمويل عجز الميزانية خلال الفترة المذكورة 186.66 مليار ريال (49.764 مليار دلوار).
وفي الإمارات، أكد البنك الاستثماري الأمريكي "مورغان ستانلي"، منتصف سبتمبر، أن الحكومة والكيانات المرتبطة بها أصدرت ديوناً بقيمة 24.5 مليار دولار مؤهلة على مؤشر "جي بي مورغان" لسندات الأسواق الناشئة ما جعلها الأكبر بفارق كبير بين الديون السيادية المدرجة على المؤشر.
أما الكويت التي تعيش أزمة غير مسبوقة في تاريخها، فارتفع عجز الموازنة العامة فيها خلال النصف الأول من العام المالي (2020-2021) بنحو 1.92 مليار دينار (6.32 مليارات دولار)، بتراجع قدره 48 بالمئة على أساس سنوي. وبلغ مجموع ما اقترضته الحكومة الكويتية من البنوك المحلية خلال 17 شهراً 7.3 مليارت دينار (24.2 مليار دولار).
ورفعت الحكومة الكويتية توقعاتها لعجز الميزانية العامة إلى 14 مليار دينار (45.68 مليار دولار) خلال العام الحالي، مقارنة مع 7.7 مليارات دينار (25.12 مليار دولار) المقدرة مطلع العام.
أما البحرين، التي يقف اقتصادها على الحافة مستنداً على الاقتراض من الجيران، فقد جمعت ملياري دولار، في مايو، لتقوية أوضاعها المالية التي عصف بها تراجع أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا.
وخفضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني تصنيف البحرين أكثر في النطاق عالي المخاطر، مشيرة إلى زيادات في عجز الميزانية والدين الحكومي وانكماش حاد للناتج المحلي الإجمالي.
وفي السياق، ارتفع الدين العام في سلطنة عمان، الأقل إنتاجاً للفنط، لأعلى مستوى في تاريخه، بعدما وصل إلى 60% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2014.
وفي أكتوبر، قال معهد التمويل الدولي إن الموازنة العامة للسلطنة ستجابه عجزاً قدره 8 مليارات دولار خلال 2021، وإنها قد تضطر لإصدار ديون لتوفير الاحتياجات التمويلية المطلوبة ما بين 2021-2025.
وعلى العكس قليلاً، أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني تصنيف قطر عند "أي أي-" (AA-)، قائلة إنها ستكون قادرة على توفير مصدات كافية للصمود في وجه الصدمات.
وأضافت الوكالة أنها تتوقع استجابة في الوقت المناسب على صعيد السياسة من قطر لدعم سيولتها، مع الوضع في الحسبان استمرار الصعوبات في أسواق رأس المال العالمية. وأبقت الوكالة على النظرة المستقبلية لقطر عند "مستقرة".
وباعت قطر سندات بقيمة 10 مليارات دولار في أبريل الماضي، لتكون أول دولة خليجية تجمع سيولة في أسواق الدين في مواجهة تراجع أسعار النفط والضبابية بالأسواق الناجمة عن جائحة فيروس كورونا.