نقلا عن الجزيرة نت - مهدي الساعدي
يجمع صالح الحريشاوي قناني الأكسجين بعد أن وزعها كلها على المصابين بجائحة كورونا الراقدين في منازلهم بمحافظة ميسان (جنوب شرق العراق)، ويعيد ترتيب باحة منزل عائلته الذي تجمعت فيه أكوام من أدوات مختلفة، استطاع صالح شراءها من سوق مدينة العمارة وجمعها وتحويلها إلى أجهزة تنفس، رفد بها المستشفيات والراقدين في منازلهم، بسبب ازدياد أعداد المصابين وعدم كفاية المستلزمات الطبية في المحافظة.
الحريشاوي (35 عاما) شاب عراقي استطاع جمع وتحويل بعض الأدوات البسيطة إلى أجهزة تنفس لسد النقص الشديد في قناني الأكسجين الذي عانت منه البلاد في الأشهر الماضية، رغم تحصيله الدراسي البسيط وابتعاد مجال عمله عن الصحة، مستخدما مواد أولية متوفرة ورخيصة وربطها بأنابيب الأكسجين وتوزيعها على المستشفيات والمصابين بكورونا مجانا.
تقديم العون
ويقول الحريشاوي إن "فكرة تصنيع أجهزة التنفس ولدت بعد أن اشتكى أحد أصدقائي العاملين في المجال الصحي من نفاد هذه الأجهزة بسبب ازدياد حالات الإصابة بفيروس كورونا، فحاولت تقديم المساعدة بشراء البعض منها، ولكن نفاد أكثرها وارتفاع أسعارها حالا دون ذلك، فطلبت منه جلب واحد منها وشرح آلية عملها".
وطلب الحريشاوي مساعدة من أصدقائه لفتح ورشة صغيرة، حيث وقع الاختيار على منزل عائلته الواقع في أحد الأحياء الشعبية في مدينة العمارة (مركز محافظة ميسان) لتوفر باحة خلفية كمتنفس للعائلة تحتوي على حديقة وتوفير المستلزمات الضرورية للعمل.
واجه الحريشاوي العديد من المتاعب في بادئ الأمر، تجلت معظمها بعدم توفر البدائل الناجحة لأدوات صنع الجهاز وفشل الكثير منها، ولكن الإصرار ومواصلة العمل برفقة أصدقائه كانت من أكبر عوامل نجاحه في صنع المئات من أجهزة التنفس البديلة، ولم تكن تلك هي العقبة الأولى في طريقه بل واجهته مشكلة أخرى تمثلت بارتفاع أسعار البدائل التي تزايد الطلب عليها فجأة.
"كرست كل وقتي لصنع الأجهزة وصرفت غالبية مدخراتي لشراء موادها الأولية البديلة، مما اضطرني للتوقف" يقول الحريشاوي.
ويضيف "كنت أتكفل بالتصنيع وأصدقائي بالتوزيع، وبعدما علم المهتمون من أبناء المدينة بتوقفي عن العمل بسبب نفاد مدخراتي، بادروا بدعمي ماديا، وشراء المواد التي أحتاجها في تصنيع الأجهزة".
أنابيب معدنية ومفكات وكؤوس بلاستيكية، وأقنعة جاهزة وأجزاء معدنية صغيرة مختلفة الأحجام، هي كل الأجزاء الأساسية التي يحتاجها الحريشاوي لتصنيع أجهزته.
ويقول "لم نتمكن من تجاوز المحنة إلا من خلال التكاتف المجتمعي الذي سطره أبناء المحافظة وشبابها، ولست سوى أحد الشباب الذين وقفوا موقفا جادا، ووفروا الأكسجين والمستلزمات الأساسية التي يحتاجها المصابون المحجورون في المنازل بعد إصابتهم بكورونا".
واستقبل المركز الطبي المتخصص في معالجة كورونا بمدينة العمارة بعد تحويله من مستشفى للطفل والولادة إلى مركز لعلاج وحجر المصابين بالجائحة، أكثر من 18 ألف حالة إصابة منذ الإعلان عن ظهور المرض بالمدينة مطلع مارس/آذار الماضي، وتوفي ما يقارب 445 مصابا جراء الإصابة بالفيروس، حسب إحصائية وزارة الصحة العراقية.
ولم يتلقَّ العديد من المصابين بالفيروس رعاية صحية مباشرة بسبب كثرة الإصابات وعدم توفر أماكن شاغرة في المركز الطبي.
منظمات إنسانية
ويقول رئيس منظمة "أطباء بلا أجور" في مدينة العمارة عباس فاضل، إن المنظمات المجتمعية والناشطين ساهموا بتوفير قناني الأكسجين والعلاجات اللازمة للمصابين، خصوصا في ذروة انتشار الفيروس لتخفيف الضغط على المستشفيات ومراكز تشخيص كورونا في المحافظة.
وأشار فاضل إلى أن "الكثير من المصابين فضلوا حجر أنفسهم في منازلهم والاستعانة بالمنظمات المجتمعية والناشطين في المحافظة لتوفير العديد من المستلزمات العلاجية، منها قنانيُّ الأكسجين وأجهزة قياس الأكسجين بالدم، وأحيانا توفير العلاج خصوصا للعوائل المتعففة والفقيرة التي تعيش تحت خط الفقر والساكنين في العشوائيات، بسبب ظروفهم المادية الصعبة".