نقلا عن الجزيرة نت
صار لدى الشابة اليمنية سلوى الساوري مشغل خياطة في منزلها خرجت به من تجربة خاضتها لتوفير الكمامات وأدوات الوقاية الخاصة بوباء كورونا.
لم يكن في أجندة سلوى إنشاء مشغل لإنتاج الكمامات، لكن احتياج السوق في اليمن لأدوات الوقاية عند بداية الجائحة جذبها لهذا المجال.
تقول سلوى الساوري للجزيرة نت إنها لاحظت انعدام الكمامات وأدوات الوقاية من السوق، في ظل احتكار فظيع للتجار الذين كانوا يخزنونها دون بيعها، مما خلق أزمة وارتفاعا في أسعارها لتصل قيمة الكمامة من 20 ريالاً إلى 300 ريال يمني (300 ريال يمني تعادل 1.62 دولار).
بداية إنسانية
بدأت الفكرة كمبادرة إنسانية تستهدف فاعلي الخير للتبرع من أجل إنتاج كمامات قماشية وتوزيعها على الأهالي، وحصلت سلوى على مبلغ 200 ألف ريال وظفته في شراء أقمشة وتسليمها لمشغل خياطة نسائي، منتجة ألفي كمامة تم توزيعها على المحتاجين.
تم التوزيع بشكل مجاني للناس في الشارع والأماكن المزدحمة، خصوصا للأطفال وكبار السن، وأثناء التوزيع كانت سلوى وفريقها يعملون على ترتيب الناس في الشارع وفقا لمبادئ التباعد الاجتماعي.
تقول سلوى إن هذه المبادرة الإنسانية خلقت فرص عمل لمجموعة من البنات اللاتي يعملن في مشغل متوقف بسبب كورونا، ساعدتهن على تسديد التزاماتهن الحياتية والمعيشية.
استثمار وفرص
تطورت الفكرة لدى سلوى لتنتقل من مناشدات فاعلي الخير إلى الحصول على قرض بمبلغ مليون ونصف مليون ريال، اشترت به أقمشة ووزعتها على عدة معامل نسائية أخرى بهدف تشغيل عدد كبير من النساء والأسر المنتجة.
في المعمل الواحد كانت توجد فيه قرابة 40 عاملة، وكان الإنتاج في البداية يصل إلى ألف كمامة في المعمل الواحد فقط.
لم تكن لدى سلوى في البداية معرفة كاملة حول معايير إنتاج الكمامة، فصنعتها من القطن مكونة من طبقتين، خارجية وداخلية، بحيث كانت الخارجية ثقيلة والداخلية ناعمة من أجل ملمس الوجه.
واعتبرتها سلوى من أفضل الكمامات التي أنتجت حينها، ولم تتوقف عند ذلك الحد، بل قامت بتطويرها من خلال محاكاة وتقليد الكمامات الخارجية، ومن ثم بيعها بأسعار منافسة رغم الاحتياج الكبير للسوق المحلي.
لم يتوقف نشاطها هنا، بل استطاعت أن توظف المبالغ التي حصلت عليها في إنشاء مشغل خاص بها في الدور الأرضي لمنزلها.
حينها كان احتياج السوق يتزايد فقامت بتشغيل معملها في 3 فترات، حيث كانت النساء تعمل في الفترة الصباحية، والشباب يعملون لفترتين في المساء، ليرتفع الإنتاج ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف كمامة في اليوم الواحد، أو حسب الكمية المطلوبة.
لم يقتصر العمل على إنتاج الكمامات فقط، بل توسع ليشمل إنتاج أقنعة الوجه التي كان يصل إنتاجها إلى 10 آلاف قناع في اليوم وبتشكيلات مختلفة، ويعمل على إنتاجها 5 فرق، إضافة إلى إنتاج البدلات الواقية وأغطية الرأس والقدم.
كانت المبيعات في ازدياد لدرجة أن كل الكميات المنتجة تنفد في اليوم نفسه، وتم تطويرها من حيث الشكل والحجم.
تأثر المشغل وغيره من المشاغل المحلية بعودة استيراد الكمامات الخارجية خاصة الصينية، وفق رأي سلوى، ويرجع ذلك إلى شراء السوق المحلية للأقمشة بأسعار باهظة، بينما الكمامات الصينية جاءت رخيصة.
بقي في المشغل بضاعة وأدوات بقيمة 24 مليون ريال، وهذا قد يساعد في حال عادت موجة ثانية من الوباء.
لسلوى أنشطة عديدة، فقبل اقتحامها هذا المجال كانت تعمل ناشطة إنسانية لمساعدة الفقراء وضحايا الحرب، وقبل ذلك خاضت تجربة قصيرة في العمل الإعلامي كمذيعة في قناة معين الرسمية التي توقفت منذ بداية الحرب، وأيضا العمل في إذاعة غراند إف إم.
توسع نشط
لم تكن تجربة سلوى الساوري هي الوحيدة، بل هناك كثير من المبادرات المجتمعية، إضافة إلى مشاغل الخياطة التي أوقفت أعمالها ونشطت في إنتاج الكمامات.
وانتظم مصنع الغزل والنسيج للعمل في إنتاج الكمامات لينتج قرابة 15 ألف كمامة في اليوم، حسب مسؤولي المصنع، وتشغيل عشرات النساء.
كان بإمكان هذا المصنع توفير احتياج السوق من الكمامات، لكن طبيعة الظروف التي مر بها سواء تعرض جزء منه للقصف بطيران التحالف السعودي الإماراتي أو عطب الآلات وقدم بعضها بسبب توقفه لقرابة 15 سنة، قبل إعادة فتحه في العام 2019.
وتفاوتت أسعار الكمامات حينها بين 200 و400 ريال حسب الجودة، ولم تستطيع المبادرات الخيرية توفير الكميات المطلوبة للمواطنين والمعدمين بشكل كامل.
كمامات بلا رقابة
يقول الدكتور محمد علي سيف أخصائي الجهاز التنفسي، أن هناك أنواعا من الكمامات التي انتشرت في الأسواق لم تكن صحية، حيث كانت خفيفة ومن طبقة واحدة فقط، وبعضها كان ورقيا شفافا لا يمنع انتقال الفيروس.
ويشير سيف إلى أن الاحتياج الذي كانت تعاني منه السوق جعل الكثير ممن ليس لديهم خبرة ومعرفة طبية يتجه لإنتاج الكمامات في ظل غياب الرقابة من الجهات الطبية المعنية.
لكنه يرى أن ذلك لا يعني عدم وجود كمامات صحية وجيدة، لأن المسألة ليست صعبة، فبإمكان المرء أن يصنع كمامة مناسبة في منزله مكونة من طبقتين.
ويشدد على ضرورة أن تكون الطبقة الخارجية كثيفة، بينما تكون الداخلية ناعمة وتتضمن فتحات تسمح للتنفس، إضافة إلى وجود ماسك معدني على الأنف لضمان عدم دخول الفيروس إلى الأنف.
في بلد تطحنه الصراعات، وتزداد أوجاعه كل يوم، ساهمت جائحة كورونا في زيادة معاناته بتوقيف كثير من الأعمال والمهن، وتوسيع رقعة البطالة، لكن هذه المبادرات ساعدت كثير من الأسر في تحسين أوضاعها، وخلقت فرص عمل جديدة لمئات الأسر.