المصدر: نيويورك تايمز
ترجمة: الجزيرة
قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية (The New York Times) إن الصين تصدت لجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بقوة مذهلة، بحسب وصف مسؤوليها. لكن الصحيفة علّقت على ذلك بالقول إن بكين لم تتحرك إلا بعد أن أفاقت من حالة الجمود السياسي التي تسببت في تفشي الفيروس حتى أصبح جائحة عالمية.
ورصدت الصحيفة في تقرير مطوّل تطورات الجائحة منذ اكتشاف الفيروس في مختبر بمدينة ووهان الصينية، وانتشاره في أرجاء العالم، قبل أن تنجح بكين في السيطرة عليه محليا.
وتناولت في ثنايا التقرير -الذي يعدّ توثيقا و"دفتر أحوال" للوباء- بعض التداعيات السياسية التي نجمت عن تفشي الفيروس، ولا سيما موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب منه.
واستهلت الصحيفة تقريرها بالأمر الذي أصدرته بكين لكبير خبراء الأوبئة في البلاد الدكتور تشونغ نانشان، بالسفر في مهمة عاجلة إلى مدينة ووهان للتحقق من ظهور سلالة جديدة وغريبة من فيروس كورونا.
وتصف الرواية الرسمية الصينية رحلة عالم الأوبئة تشونغ لووهان بنقطة تحوّل مثيرة في الحرب "الظافرة" ضد كوفيد-19، حينما اكتشف أن الفيروس ينتشر بشكل خطير، فما كان منه إلا أن سارع بالعودة إلى بكين "لدق ناقوس الخطر".
وبعد 4 أيام من عودته، وتحديدا في 23 يناير/كانون الثاني 2020، أمر الرئيس شي جين بينغ بإغلاق مدينة ووهان، مركز انتشار الفيروس.
وكان ذلك الإغلاق الخطوة الأولى الحاسمة في إنقاذ الصين، إلا أن نيويورك تايمز ترى أن عزل المدينة قرار تأخر كثيرا ولم يمنع الفيروس من التسرب إلى سائر بلدان العالم، ليزهق أرواح أكثر من 1.7 مليون شخص.
وكان أول جرس إنذار قد قُرع قبل ذلك بنحو 25 يوما، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، أي قبل عام بالضبط، ويعود الفضل في ذلك إلى الطبيب لي ونليانغ الذي توفي أوائل فبراير/شباط بعد أن تعرض للتوبيخ بسبب تحذيره من انتشار كورونا.
وحتى قبل ذلك التاريخ، كان الأطباء والعلماء الصينيون يبحثون عن إجابات، لكن المسؤولين في ووهان وبكين امتنعوا عن الكشف عن مدى انتشار العدوى، أو رفضوا اتخاذ إجراءات بشأن التحذيرات ذات الصلة.
ومن المعتقد أن منشأ الفيروس كان سوقا للمأكولات البحرية في ووهان أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأوضحت نيويورك تايمز أنها استقت معلوماتها لإعداد هذا التقرير من وثائق الحكومة الصينية، ومن مقابلات أجرتها مع عدد من الأشخاص، وأوراق بحثية وكتب، وروايات مصادر وتقارير مهملة أو ممنوعة. فكان أن استندت على كل تلك البيانات في رصد ما حدث في الصين في تلك الأيام الـ25 "التي غيَّرت العالم".
ووفقا للصحيفة ذاتها، فإن السياسة أعاقت العلم وخلقت حالة من التوتر بينهما من شأنها وضع تعريف للجائحة. وقد أدى تباطؤ الصين في الاستجابة إلى انطلاق الفيروس من عقاله لينتشر في العالم، وكان ذلك إيذانا باندلاع معارك بين العلماء والزعماء السياسيين بشأن الشفافية والصحة العامة والجوانب الاقتصادية التي طال تأثيرها كل القارات.
ومع نشوب "عداوات سياسية" بين الصين والولايات المتحدة، اعتمد العلماء من الجانبين على الشبكات العالمية لتبادل المعلومات، حيث أقروا مبكرا بأن الفيروس قد يكون معديا بين البشر.
ونجحت الصين في نهاية المطاف في السيطرة على الفيروس والأخبار المتعلقة به على حد سواء. ويشهد الاقتصاد الصيني اليوم ازدهارا، بل إن بعض الخبراء يتساءلون عما إذا كانت جائحة كورونا المستجد قد ساهمت في ترجيح كفة ميزان القوة العالمي لصالح بكين.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن نهوض الصين أثار حفيظة الرئيس ترامب الذي لطالما أنحى باللائمة عليها فيما سماه "الفيروس الصيني". ولم تنجح الولايات المتحدة حتى الآن في احتواء الفيروس، وهي تدفع الآن ثمنا باهظا يتمثل في أعداد الوفيات الكبيرة وتأثير الجائحة على الاقتصاد، في وقت تسير فيه الحياة في الصين بشكل طبيعي نسبيا.
وحتى وقت قريب، كانت الولايات المتحدة والصين تتعاونان في تعقب والحد من تفشي الفيروسات في الصين، إلا أن إدارة ترامب سحبت قرابة 10 من خبرائها من بكين قبل أشهر فقط من اندلاع عدوى كوفيد-19، وأغمضت عينيها عن الخطر القادم من هناك.
وأفادت دراسة سابقة أن الصين كان بمقدورها تقليص عدد حالات الإصابة بالوباء بنسبة 66%، لو أن مسؤوليها تصدوا للفيروس قبلها بأسبوع، ولو أنهم تصرّفوا قبل تفشي الجائحة بـ3 أسابيع لانخفضت حالات الإصابة بنسبة 95%.
وتسبب إحجام الصين عن إبداء شفافية بشأن تلك الأسابيع الأولى في إحداث ثغرات كبيرة في طبيعة المعلومات التي يعرفها العالم عن فيروس كورونا، إذ لم يكن لدى العلماء إلمام كافٍ بمكان اكتشاف الفيروس أول مرة، ولا بالكيفية التي ظهر بها، ويرجع ذلك -بحسب الصحيفة الأميركية- إلى أن بكين أرجأت إجراء تحقيق مستقل حول منشأ الحيوانات التي كانت وراء تفشي الجائحة.