(موقع العهد الإخباري)
لا تختلف المعركة التي تُخاض اليوم ضد فيروس كورونا عن غيرها من المعارك وإن اختلف العدو ومعه اختلفت الأسلحة. فكما تُخاض المعركة في الميدان العسكري، تخاض المعركة في الميدان الصحي بأساليب مختلفة. ساحة المعركة ضد "كوفيد 19" هي المستشفيات على اختلافها، وجنودها هم الأطباء والممرضون الذين يشكّلون خط الدفاع الأول في مواجهة هذا الفيروس الخبيث. لكن وللأسف، ثمّة مستشفيات خاصة في لبنان، قرّرت أن لا تخوض هذه المعركة الوطنية الحرجة، وثمّة مستشفيات أخرى قرّرت أن تخوضها من باب "رفع العتب" عبر استحداث عدد محدود من الأسرة لا يوازي ضخامتها، بينما الواقع الصعب يجعل مواجهة هذه المعركة التي تستهدف كل فرد منا أبعد من خيار، بل واجبا تُحتّمه المسؤولية الأخلاقية والمهنية والوطنية.
والمفارقة تكمن في أنّ هذه المستشفيات التي جنت أرباحاً طائلة على مدى سنوات عديدة، تتذرّع اليوم وفي عز المعركة بحجج مالية. طبعاً، لا أحد ينكر أنّ بذمة الدولة مستحقات لهذه المستشفيات، لكن الوقت ليس لتحسين الشروط. الوقت للعمل فقط، وواجب على كل مستشفى وبقدر امكانياته الانخراط في المعركة وفتح أقسام لمرضى كورونا سريعاً. الوقائع على الأرض تشي بظروف صحية قاسية سيشهدها لبنان في الأيام القليلة المقبلة. قدرة المستشفيات الاستيعابية بدأت تنفد والمطلوب المزيد من الأسرة، وإلا فسيناريو المرضى في الطرقات لن يكون بعيداً عن لبنان، وهو الأمر الذي دفع بوزارة الصحة الى نشر لائحة بالمستشفيات الخاصة تظهر تخلف العدد الأكبر منها عن فتح أقسام خاصة بمرضى كورونا، واكتفاء العدد الآخر بعدد محدود من أسرة العناية الفائقة.
عراجي: تذرع بعض المستشفيات بالشق المالي ليس في محله
رئيس لجنة الصحة النيابية النائب الدكتور عاصم عراجي يُكرّر في حديث لموقع "العهد" الإخباري ما بات معروفاً لجهة صعوبة وحراجة الأوضاع الصحية. يتحدّث بصفته عاملاً في القطاع الطبي على مدى 30 عاماً فيشدّد على أنّه اطلع على اللائحة التي نشرتها وزارة الصحة وعلى الـ67 مستشفى خاصا التي لم تستحدث سوى 73 سريراً، وتتذرع بأن ليس لديها أموال. وفق تقدير عراجي، فإنّ تذرع بعض المستشفيات التي لم تستحدث أي سرير في غرف العناية الفائقة بالشق المالي ليس في محله، وهذا التذرع غير صحيح. المطلوب من المستشفيات التنازل قليلاً، فصحيح أن لديها مستحقات على الدولة ونحن نطالب الدولة بدفعها، إلا أنه من غير المنطقي استعمال هذه الحجة في هذا الوقت الحرج والتهديد بأنه في حال عدم دفع الأموال لن يحصل الانخراط في هذه المعركة.
أسرة العناية الفائقة لا تتعدى الثلاثين في المستشفيات الخاصة والحكومية
وفي سياق حديثه، يلفت عراجي الى أنّ الأوضاع حرجة وأسرة العناية الفائقة في المستشفيات الخاصة والحكومية لا تتعدى الـ30 سريراً. هذه الأسرة قد تمتلئ في يوم واحد اذا ما حصل تفش كبير وإصابات خطرة في المرحلة القادمة ويوضح أنّ كل مستشفى مطالب باستحداث عدد من الأسرة في العناية الفائقة لمرضى كورونا بحسب تصنيفه.
تخلي المستشفيات عن مرضاها عمل غير مسؤول
وفي الختام، يشدّد عراجي على أنّ الوضع الكوروني خطير، لافتاً الى أنّ الإصابات في الأيام الأخيرة توحي بأنّ الوضع خطير جداً. وعليه، يناشد المستشفيات الوقوف عند مسؤولياتها، فليس من العدل أن تتخلى هذه المستشفيات عن المرضى الذين كانوا يقصدونها وتجني منهم أرباحاً. برأيه، هذا العمل غير مسؤول.
عليق: عملنا ضمن المنظومة التي وضعها حزب الله لمواجهة كورونا
وفي الوقت الذي تخلّت فيه العديد من المستشفيات الخاصة عن مسؤولياتها في مواجهة فيروس كورونا، كان مستشفى "السان جورج" التابع لمستشفى الرسول الأعظم (ص) من أوائل المستشفيات التي بادرت لتحمّل مسؤولياتها وفتح قسم خاص لمرضى كورونا يضم عشرات الأسرة. وفي هذا السياق، يتحدّث مدير عام مستشفى السان جورج المهندس حسن عليق لموقع "العهد" الإخباري فيوضح أنّ الفكرة بدأت منذ انطلاقة المواجهة مع فيروس كورونا، حيث عملنا بالتعاون مع مستشفى الرسول الأعظم (ص) -كوننا مؤسسة واحدة- على إيجاد حل لأهالي المنطقة المصابين بكورونا، فكان أن اتخذ القرار بترك مستشفى الرسول الأعظم (ص) لمواكبة القطاع الاستشفائي العادي على أن يتولى مستشفى "السان جورج" مهمة كورونا. وفق عليق، كانت هذه الخطوة كخيار أول لندخل لاحقاً ضمن المنظومة التي وضعها حزب الله لمواجهة كورونا والتي كان فيها مستشفى السان جورج بمثابة المستشفى المركزي لاستقبال مرضى الكورونا.
العملية مكلفة لكننا قمنا بكافة الاجراءت دون أن نفكر بالأموال بل بحاجة الناس
لا ينكر علّيق أنّ خطوة تحويل المستشفى من مستشفى عادي الى مستشفى لمواجهة الوباء المستجد ترتّب تبعات كبيرة وكلفة عالية جداً لناحية تأمين المبنى وتدريب الموظفين وتأمين المستلزمات الخاصة، لكننا قمنا بكافة الاجراءت -يقول عليق- دون أن نفكر بالأموال بل فكرنا بضرورة تأمين حاجة الناس. وعليه، بدأنا نستقبل مرضى كورونا منذ 5 أشهر بشكل فعلي حيث زادت الأعداد بعد انفجار 4 آب. وهنا يوضح علّيق أن المستشفى يحتوى 80 سريراً، منها 45 سريراً في غرف العناية الفائقة. ويلفت عليق الى أن نسبة إشغال الأسرة تتراوح ما بين الـ80 والمئة بالمئة. في المرحلة الأخيرة زادت نسبة الإشغال بشكل كبير، حتى أن أعداد المرضى الذين يقبعون في الطوارئ ازدادت بسبب عدم وجود أسرة.
ندرس خيارات عدة للتوسعة وزيادة عدد الأسرة
هل من مشروع لزيادة عدد الأسرة؟ يجيب عليق عن هذا السؤال بالإشارة الى أن مبنى المستشفى محدد لعدد من الأسرة، لكننا ندرس اليوم عدة خيارات من ضمنها توسعة الطوارئ، فضلاً عن خيار استحداث بعض الأسرة في الأماكن الصغيرة، وخيار استحداث أمكنة خارج المستشفى. وفق عليق، لم تتبلور الصورة حالياً ولكن ندرس خيارات عدة للتوسعة.
في خضم الحرب الحاصلة على المستشفيات أن تحافظ على أرواح الناس
ويؤكّد عليق أنّه يتوجّب على كل مستشفى خاص ولديه الإمكانيات والقدرات أن يزيد عدد الأسرة. وفق عليق، هناك بعض المستشفيات الكبيرة الضخمة تستوعب حالياً ما بين 10 الى 15 سريراً في الوقت الذي بإمكانها فيه استحداث مئة سرير لمرضى كورونا. طبعاً، لا ينكر المتحدّث أن بعض المستشفيات لا تسمح لها بُنيتها التحتية بفتح أقسام لكورونا ولكن هناك بعض المستشفيات بإمكانها وعليها أن تفتح أقساما وتوسّعها لتقاسم الأعباء مع المستشفيات الأخرى. برأي عليق، على كل مستشفى أن يتحمل مسؤولياته في زيادة عدد الأسرة وتوسعتها. صحيح أنّ هناك أزمة مالية ولكن في خضم الحرب الحاصلة، على المستشفيات أن تحافظ على أرواح الناس وأن لا تفكر فقط بالأموال. بإمكانها إحداث نوع من التوازن بين أرباحها من بقية الأقسام وكورونا، يضيف علّيق.
الشخص هو المستشفى الأول والأخير
وفي الختام، يشدّد عليق على أنّ المستشفى الأول والأخير هو الشخص. عليه أن يلتزم بالاجراءات الوقائية المطلوبة للحفاظ على نفسه وعائلته ومحيطه لتجنب حاجته الى المستشفيات.
هارون: المستشفيات الخاصة تتخبّط بأزمة مالية والدولة تتخلّف عن دفع المستحقات
بدوره، يبرّر نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في حديث لموقعنا عدم انخراط مستشفيات خاصة عديدة بالحرب على كورونا بالإشارة الى أنّ 60 مستشفى بالحد الأدنى جهّزت أسرة لاستقبال مرضى كورونا. هذه المستشفيات لديها ما يفوق 300 سرير في العناية الفائقة، وما يفوق الـ550 سريراً لمرضى الحالات العادية من كورونا.
ويضيف هارون: "نحن لم نقصّر في واجبنا، ولم نكن بعيدين عن مسؤولياتنا، والسؤال كيف بإمكاننا أن نستمر في الطلب من المستشفيات زيادة عدد الأسرّة في الوقت الذي تتخبط فيه بأزمة مالية وسط تمنع الدولة عن دفع مستحقاتها؟". وفق هارون، فإنّ عملية تجهيز أقسام لمرضى كورونا مكلفة، مطالباً الدولة بدفع المستحقات البالغة 2300 مليار ليرة.