(جريدة الرأي الكويتية)
«لأول مرة منذ بداية الوباء، أتت النتائج ايجابية لأكثر من 30 في المئة من فحوص كورونا التي أجريت أمس (الثلاثاء) في مختبراتنا في مستشفى رفيق الحريري الجامعي. هذا أمر مقلق وينذر بأرقام أسوأ في الأسابيع المقبلة».
هذا ما قاله مدير المستشفى الدكتور فراس ابيض في تغريدة كأنها تقرع ناقوس الخطر من تحول لبنان بؤرة وبائية عشية إقفال البلاد بدءاً من غد الخميس وحتى الاول من فبراير، وهو الإجراء الرابع من نوعه منذ ظهور الجائحة المميتة قبل أقل من عام.
ولم يكن للبنان، الذي يقتاده سلوك حاكميه إلى حدود «الدولة الفاشلة» سوى المفاضلة بين خطرين سيئ وأسوأ، فإما المزيد من الانهيار الاقتصادي – المالي وتعاظم مظاهر العوز والجوع أو الموت بـ«كورونا» في البيوت وعلى أبواب المستشفيات بعد الطفرة الوبائية التي انعدم معها وجود أسرّة في العناية الفائقة وفاضت أقسام «كورونا» بالمصابين، بعدما لامست الحالات اليومية المسجلة الـ4000 إصابة.
وتتزايد المخاوف من «تسونامي كوروني» في الأيام المقبلة التي يرجح ان تُظْهِر أرقامها الكارثية حال التفلت التي عاشها لبنان في أجواء الاعياد (الميلاد ورأس السنة وما بينهما)، بسبب تلكؤ المسؤولين ولا مبالاتهم واستهتار المواطنين وعدم تحوطهم، وهو الأمر الذي سهّل على الجائحة تجاوز الخط الاحمر والخروج عن السيطرة.
وكانت سرت موجة ذعر بين اللبنانين حين انتشرت أخبار تفيد ان الصليب الأحمر اللبناني لم يعد ينقل المرضى الكبار في السن الى المستشفيات نظراُ الى إمتلاء اسرة العناية الفائقة فيها لكن أمينه العام جورج كتانة، اوضح ان الخبر محرّف والحقيقة ان مستشفيات عدة في بيروت طلبت من الصليب الأحمر عدم نقل المرضى إليها بعد ان وصلت الى قدرتها الإستيعابية القصوى، وتالياً تم نقلهم إلى مستشفيات المناطق في البقاع والنبطية. وهذا إن دل على شيء فعلى الخوف مما ينتظر لبنان في الأسبوعين المقبلين حين تتكشف نسبة المصابين المرتفعة إثر احتفالات الأعياد.
السيناريو الإيطالي
«الراي» توجهت الى رئيس لجنة الصحة النيابية في لبنان الدكتور عاصم عراجي لتطلع منه على حقيقة الوضع هو الذي رفع الصوت منذ البداية منادياً باتخاذ تدابير حاسمة منعاً من الوصول الى الكارثة. وقد أخبرنا ان لبنان دخل السيناريو الإيطالي بالفعل «وكونه طبيب على الأرض» فهو يعرف جيداً ما يحدث وكيف ان الناس يتعالجون في بيوتهم ويموتون في البيوت أو ينتظرون في أروقة الطوارئ لأنهم لا يجدون أسرّة في المستشفيات.
وعن قدرة المستشفيات على فتح اقسام للكورونا في غمرة أزمتها مع الحكومة و عدم نيلها مستحقاتها يؤكد عراجي ان «عدداً كبيراً من المستشفيات حقق ارباحاً طائلة نتيجة أزمة كورونا ولديه فائض مالي يمكنه استخدامه في فتح أقسام جديدة وزيادة عدد أسرّة العناية الفائقة فيها»، كاشفاً ان «بعض المستشفيات تفرض على المرضى دفع فروقات عالية حتى ولو كانوا يعالجون على حساب وزارة الصحة او الجهات الضامنة وتستفيد من ذلك فيما مستشفيات أخرى تكتفي بالتسعيرة الرسمية وتعمل حقاً على مساعدة مجتمعها».
الحل بالنسبة إلى عراجي يكمن في شقين: «الأول فرض الإقفال على نحو جدي مع عقوبات صارمة على كل مخالف ولو اقتضى الأمر إنزال الجيش إلى الشارع والإسراع بتأمين اسرة عناية ولو تحت الضغط». لكنه لا ينفي خوفه الشديد من أن تكون الأمور قد خرجت عن السيطرة وان تتزايد أعداد الوفيات في البيوت حتى ولو كان كثر لا يبلغون عنها.
ما بعد رأس السنة
إلى نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان المهندس سليمان هارون توجهنا بالسؤال عن القدرة على استيعاب العدد المتزايد من مرضى كورونا لا سيما الذين يحتاجون الى عناية مكثفة وإذا ما باتوا يرفضون استقبال مرضى جدد؟ فقال «إن 60 مستشفى خاص حالياً يستقبل مرضى الكورونا وقد وصلت القدرة الاستيعابية فيها الى نحو 90 في المئة، لكن التخوف الأشد من موجة بعد ليلة رأس السنة والتي تشكل دفقاً لا تستطيع المستشفيات استيعابه».
«نحن في سباق مع الكورونا»، يقول هارون، «ولن نربح هذا السباق إذا استمر المواطنون في العيش بحالة إنكار للكورونا وبقيت تصرفاتهم على حالها. حينها حتى لو أضفنا عدداً كبيراً من الأسرة وزدنا قدرتنا الاستيعابية فإن السباق سيكون خاسراً».
نسأل هارون عن سبب عدم استعداد المستشفيات مسبقاً لهذا السيناريو فيجيب بأن من واجب المستشفيات تأمين أسرّة للمرضى بالطبع لكن لها ايضاً حقوق ومستحقات على الدولة اللبنانية لم تدفعها حتى الساعة. ويصر هارون على أن الحل ليس بالإقفال العام الذي لم يعط النتيجة المرجوة في السابق ولا بزيادة عدد الأسرة مع كونه ضرورياً، بل بحصر أعداد المرضى من خلال التزام الناس باجراءات الوقاية واخذ الاحتياطات المطلوبة، فحينها فقط تقلّ الأعداد ويصبح بالإمكان تأمين الأسرّة والعلاجات الضرورية لهم ويحدث تناوب بين الداخلين والمتعافين ما يسمح ربما بربح السباق ضد الكورونا.
الدولة والمستشفيات والناس
وللاطلاع عن كثب على الأمور من داخل مستشفى رفيق الحريري الجامعي الذي كان ولم يزل خط الدفاع الأول في لبنان في وجه كورونا تحدثنا الى الدكتور محمود حسون رئيس وحدة العناية الفائقة وامراض الرئة في مستشفى رفيق الحريري الجامعي الذي أبدى خوفه وتشاؤمه من التفشي الخطر لفيروس كوفيد-19 الذي يشهده لبنان حالياً. وقال «الوضع خرج عن السيطرة رغم اننا ما زلنا نعيش تداعيات الفترة التي سبقت رأس السنة، أما نتائج سهرة رأس السنة فستظهر بعد 8 أيام وعندها تتكشف الكارثة الحقيقية. اليوم قدرة العناية المركزة بلغت 95 في المئة ولم يتبق إلا بضعة أسرّة. سوف نصل الى مرحلة يتزايد فيها عدد الوفيات بشكل كبير نظراً لعدم قدرة المستشفيات على استقبالهم والاهتمام بهم، ومعروف انه كلما ازدادت أعداد المصابين ارتفعت معها أعداد الوفيات. الكارثة حين نصل الى مرحلة علينا فيها المفاضلة بين المرضى إذا استمر العدد في الارتفاع ولم نعمد الى زيادة عدد الأسرة حينها سيموت المرضى في بيوتهم وتزداد اعداد الوفيات».
نسأل الدكتور حسون ما دور المستشفيات الحكومية الأخرى في تحمل العدد المتزايد للمرضى؟ فيقول «في ظل وصول قدرات مستشفيات بيروت الاستيعابية الى حدها الأقصى بدأنا نطلب من الصليب الأحمر نقل المصابين الى مستشفيات الأطراف وهي مستشفيات غير مجهزة تجهيزاً كاملاً لمواجهة الكورونا وليست قادرة على شيل الحمل كله، ولكنه حل اضطراري يؤمن أقله للمرضى حاجتهم من الأوكسجين وهو الأمر الذي لا يمكن تأمينه في البيوت حيث الحاجة هي 10 ليترات في الدقيقة بينما تجهيزات البيوت غير قادرة على تأمين اكثر من 8 ليترات».
«منذ 9 اشهر وأكثر، يؤكد د. حسون، ونحن نطالب بتجهيز المستشفيات الخاصة التي تشكل 85 في المئة من القطاع الاستشفائي في لبنان فيما لا تشكل المستشفيات الحكومية اكثر من 15 في المئة لكننا وجدنا أن هذه الأخيرة التي لم تكن مجهزة كما يجب وُضعت وحيدة في مواجهة أعتى أزمة يواجهها العالم. اليوم تجهيز المستشفيات الخاصة دونه عقبات أبرزها تأمين طواقم طبية وتمريضية لهذه الأقسام في ظل هجرة مخيفة للقطاع الطبي».
الكارثة في رأي د. حسون نجمت عن معطيات ثلاث: لا الدولة تشددت ولا المستشفيات تحضّرت ولا الناس التزموا حتى وصلنا الى مرحلة سَبَقَنا فيها الفيروس بأشواط وباتت صلابة القطاع التمريضي والصحي في لبنان على كف عفريت.
ينهي د. حسون كلامه بلهجة متشائمة قائلاً «الأسوأ لم يأت بعد والضغط سيزداد، والاقفال العام الذي فرضته الحكومة لن يعطي نتائجه إلا بعد اسبوعين إلى ثلاثة على انتهائه. ولكنه قد يتيح للمستشفيات الاهتمام بالحالات الموجودة لديها بغية تقديم العلاجات الضرورية وإرسالها الى المنازل قبل استقبال الحالات الجدية الآتية بعد الإقفال».
Waiting List
من جهتها أكدت لنا نسرين الحسيني المسؤولة الاعلامية في مستشفى رفيق الحريري أن قدرة قسم الكورونا 120 سريراً بينها 40 سريراً للعناية الفائقة، وقد سجل يوم الأحد وحده دخول 112 مريضاً. إذاً الأمور تنذر بالأسوا مع تزايد الأعداد وقد بات هناك ما يعرف بالـ Waiting List لمرضى موجودين في الطوارئ او في البيوت ينتظرون سريراً فارغاً لاستقبالهم في المستشفى لكن المشكلة ان مرضى العناية الفائقة يحتاجون من اسبوعين الى ثلاثة قبل ان يفرغ سريرهم لمريض آخر. كما أن الكثير من حالات إحالة من مستشفيات غير مجهزة تصل يومياً الى مستشفى رفيق الحريري ويتراوح عددها بين 20 و 23 مريضاً. حالياً ثمة تنسيق واسع بين وزارة الصحة والصليب الأحمر ومستشفى رفيق الحريري والمستشفيات الخاصة لنقل المرضى الى المستشفيات التي لا تزال تمتلك قدرة على الاستيعاب. ولكن ما لم تضبط الأمور فإن الضغوط ستزداد على مستشفى رفيق الحريري وعلى كل القطاع الصحي في لبنان.
بترا خوري مستشارة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب للشؤون الصحية قالت لـ«الراي» إثر إقرار الإغلاق العام «إنه بناء على قراءة للأرقام، كان لا بد من اتخاذ القرار بالإقفال العام مع نسبة عالية من التسكير واعتماد أشدّ الوسائل لتطبيق الإجراءات، موضحة ان إشغال العناية الفائقة في بيروت وجبل لبنان حيث الكثافة السكانية الأعلى وصل الى 94 في المئة فيما بلغ 90 في المئة في المناطق، وقد ازدادت أعداد الإصابات عند الكبار في السن الذين يحتاجون الى عناية فائقة نتيجة المخالطة في موسم الأعياد. وقد باتت نسبة الأشخاص الذين يصلون الى الطوارئ مع نسبة اوكسجين أقل من 90 في المئة مرتفعة ما يجعلهم ايضاً بحاجة الى أسرّة عناية. وهذا لا شك سيناريو كارثي لا سيما ان مريض العناية يحتاج كمعدل عام ثلاثة اسابيع حتى يخرج وبعضهم قد يبقى لمدة أطول تصل الى 60 يوماً. فتح أقسام جديدة يتيح قدرة استيعابية أكبر لكن الحل يبقى في وعي الناس».
وتؤكد خوري: «كل اللبنانيين شعروا ان الكورونا باتت قريبة جداً منهم، فلا عائلة لم يصب فيها فرد او قريب والناس وجدوا أنفسهم يركضون نحو المستشفيات لتأمين أسرّة للأحبة، لذا لا بد ان يشكل هذا إستفاقة عند الجميع ليحدوا من الاختلاط ولا سيما وان 50 في المئة من حاملي الفيروس لا يعرفون انهم مصابون ينقلون العدوى الى سواهم دون ان يعرفوا».
على أمل أن يلتزم اللبنانيون هذه المرة قبل ان تقع الفاس في الراس...