ما إن بدأ الفيروس التاجي الجديد "كوفيد-19" أو ما يعرف بفيروس "كورونا المستجد" بالتفشي حتى استنفرت جميع الجهود للحد من انتشارهِ أولاً ومن ثم إيجاد العلاج المناسب لهُ ثانياً.
ومنذ اليوم الأول هرعت جميع المراكز البحثية والمختبرات للتعرّف على الفيروس والبحث عن نقاط ضعفه، ويوماً بعد آخر تطرق مسامعنا أنباء عن البدء باستخدام علاج جديد أو تطوير لقاحٍ يمكن أن يحمل الأمل للبشرية جمعاء.
آخر تلك الطرق، التي بدأت عدة دول في العالم كالولايات المتحدة وبريطانيا والصين وقطر والإمارات والكويت باستخدامها، هي حقن "بلازما الدم" للأشخاص المتعافين في الأشخاص المرضى.
لكن قبل البدء بالحديث عن تلك التقنيّة واحتمالية نجاحها، يراود كثيرين أسئلة عن ماهيّة بلازما الدم، وممَّ تتكون، وما دورها في الأساس؟
بلازما الدم
"البلازما" هي الجزء الأكبر من الدم، وتشكل أكثر من نصف مكونات الدم، إذ تبلغ نسبتها نحو 55٪ من محتواه الكلي.
وعند فصلها عن بقية الدم تكون البلازما عبارة عن سائل أصفر فاتح اللون. يتمثل الدور الرئيسي للبلازما في نقل العناصر الغذائية والهرمونات والبروتينات إلى أجزاء الجسم التي تحتاج إليها، فهي تحمل الماء والأملاح والإنزيمات.
وإلى جانب الماء والملح والإنزيمات، تحتوي البلازما أيضاً على مكونات مهمة، وتشمل "الأجسام المضادة" و"عوامل التخثر" و"البروتينات الألبومين" و"الفيبرينوجين".
تضع الخلايا أيضاً منتجات الفضلات في البلازما، ثم تساعد البلازما على إزالة هذه النفايات من الجسم.
لكن في البدء كيف تعمل "بلازما الدم" كعلاج؟
المرضى الذين تعافوا من المرض تكون أجسامهم قد كوَّنت أجساماً مضادة من قبل جهازهم المناعي في بلازما الدم.
لتحويل ذلك إلى دواء تُجمع البلازما وتُختبر من أجل السلامة والتأكد من خلوها من الأمراض الأخرى.
عند حقنها في مريض جديد يوفر "العلاج المشتق من البلازما"- المعروف أيضاً باسم "بلازما النقاهة" - "مناعة سلبية" حتى يتمكن جهاز المناعة لدى المريض من توليد أجسام مضادة خاصة به ضد المرض.
استخدام البلازما علاجاً للأمراض
قبل أن تقدم المضادات الحيوية كعلاج، كان من الشائع علاج الأمراض البكتيرية المعدية عن طريق غرس دم المرضى الذين شُفوا في أولئك الذين يعانون العدوى.
تشير الوثائق الطبية خلال جائحة الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 إلى تقارير تصف كيف ساهمت عمليات نقل منتجات الدم التي تم الحصول عليها من الناجين في انخفاض الوفيات بنسبة 50% بين المرضى المصابين بأمراض شديدة.
وفي عام 1934، أمكن إيقاف تفشي مرض الحصبة في مدرسة داخلية في ولاية بنسلفانيا باستخدام مصل من طالب قد شُفي من المرض.
وقد جُرِّب هذا النهج أيضاً ضد الالتهابات الفيروسية مثل أنفلونزا الخنازير H1N1، وفيروس السارس وفيروس ميرس.
تقرير خاص
وفي حالة الفيروس التاجي "كوفيد-19"، سمحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية للأطباء، في 24 مارس الفائت، باستخدام البلازما من المرضى الذين تم شفاؤهم لعلاج أولئك الذين يعانون المرض.
قال مايك راين، رئيس برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية: "إن بلازما النقاهة هي منطقة مهمة للغاية يجب متابعتها كعلاج محتمل لمرضى كوفيد- 19".
وقال الدكتور بروس ساشيس، المدير الطبي لنيويورك بلود: "الفكرة هي أنه إذا غُرس في شخص مريض مناعة سلبية فقد تساعد الأجسام المضادة مؤقتاً ذاك الشخص على محاربة العدوى بشكل أكثر فعالية، وتساهم بتحسّن صحته".
في الوقت الحالي، من المرجح أن يتلقى كل مريض وحدة واحدة من البلازما، والتي تبلغ نحو 200-250 سم مكعب.
ولكن نظراً لاختلاف كمية الأجسام المضادة في المتبرعين، يبحث الباحثون حالياً عن طرق لإنتاج جرعة أكثر تركيزاً واتساقاً.
تعمل شركة "Emergent BioSolutions"، وهي شركة أدوية بيولوجية أمريكية مقرها ولاية ماريلاند، على طريقة لتجميع البلازما من المرضى الذين تم شفاؤهم واستخدام ذلك لإنشاء جرعات مركزة من الأجسام المضادة.
تتطلع الشركة أيضاً إلى مصادر أخرى للأجسام المضادة على وجه التحديد من "الخيول".
إذ تتعرض الخيول أيضاً للفيروس التاجي وتولد أجساماً مضادة، وبسبب أحجام الحيوانات الكبيرة، يمكن أن يساعد حجم البلازما التي تنتجها في علاج أكثر من مريض واحد في كل مرة.
الميزة الأخرى لهذا النهج هي أن الباحثين لا يحتاجون إلى معرفة الأجسام المضادة التي تعمل بشكل أفضل في محاربة الفيروس التاجي الجديد.
إنهم يجلبون بشكل أساسي جيشاً من الأجسام المضادة لمكافحة الأمراض بالكامل من المرضى الذين تعافت أجسادهم.
التبرّع بالبلازما
تستخدم البلازما لعلاج الكثير من الأمراض، وللحصول عليها يعمد الأطباء إلى سحبها من دم الشخص المانح.
وطريقة استحصالها تشبه طريقة التبرع بالدم، غير أنها توضع غرزتين من الإبر في ذراعي المانح، يُسحب الدم من الذراع الأولى ويذهب الدم لجهاز يعمل على استخراج البلازما، ومن ثم تعود باقي مكونات الدم إلى جسم المانح عبر الذراع الثانية.
تستغرق هذه العملية عادةً من 60 إلى 90 دقيقة، ويمكن أن تنتج ما يكفي من البلازما لعلاج ثلاثة مرضى.
دول الخليج في طليعة المستخدمين لهذه الطريقة
كان في طليعة الدول التي توجهت لاستخدام البلازما لعلاج مصابي كورونا هي دول الخليج العربي، فهذه الطريقة تختصر الكثير من الوقت، وسبق أن أثبتت نجاحها مع أمراض وفيروسات أخرى:
إذ أعلنت الكويت، في الثامن من أبريل الجاري، عن بدء تحضير بلازما مناعية لمواجهة فيروس كورونا المستجد.
وقالت مديرة خدمات نقل الدم في بنك الدم الكويتي، ريم الرضوان، إن بلادها "بدأت في تحضير بلازما مناعية لمواجهة فيروس كورونا، إذ يتم تجميع البلازما من المتبرعين المتعافين"، بحسب وكالة الأنباء الكويتية.
وتابعت: "يتم تجميع وتحضير البلازما من المتبرعين المتعافين، على أن تبدأ هذه العملية بعد انتهاء العلاج وفترة الحجر المنزلي، حسب إرشادات المنظمة العالمية لنقل الدم، ومنظمة بنوك الدم الأمريكية AABB".
كما أعلنت الإمارات، في الثاني عشر من أبريل الجاري، عن بدء استخدام "بلازما" الأشخاص المتعافين من فيروس كورونا لعلاج المصابين به ممن تكون حالتهم حرجة، وذلك بعد أن أثبتت هذه الطريقة كفاءتها السريرية بعلاج المرض.
وأعلن المكتب الإعلامي لحكومة دبي، في صفحته الرسمية في "تويتر"، أنه تقرر "ابتداءً من الأسبوع الجاري استخدام بلازما الدم للمرضى المتعافين من فيروس كورونا، لعلاج مرضى الحالات الحرجة المصابين بالفيروس نفسه".
وقال مدير مؤسسة دبي للرعاية الصحية، يونس كاظم، في تصريحات نقلها المكتب: "عدد من الأطباء في هيئة الصحة ومن مختلف التخصصات، قاموا بوضع بروتوكول العلاج باستخدام بلازما الدم وفقاً للمعايير العالمية، كما تم تحديد شروط التبرع بالبلازما وتحديد المرضى الذين سوف يتلقون هذا النوع من العلاج".
وأعلن عبد اللطيف الخال، رئيس اللجنة الوطنية الاستراتيجية للتصدي لفيروس كورونا بِوزارة الصحة القطرية، في الثالث عشر من أبريل الجاري، عن شروع مؤسسة حمد الطبية في استخدام بلازما الدم من المتبرعين المتعافين من الفيروس لعلاج مرضى الحالات الشديدة.
كما أكدت وزارة الصحة السعودية في الحادي عشر من أبريل الجاري، أن العلاج ببلازما الدم من المتعافين من فيروس كورونا قيد الدراسة في المملكة.
وأصدرت وزارة الصحة العمانية، يوم الرابع عشر من أبريل الجاري، بياناً أعلنت فيه نجاحها في إجراء عملية استخلاص ونقل البلازما المناعية من المتعافين من مرض كوفيد 19 إلى المصابين به.
ختاماً
بعد أن صار يقيناً أن اللقاح المرتقب للوقاية من الفيروس التاجي يحتاج إلى ما لا يقل عن سنة حتى يرى النور، فالاعتماد على التقنيّات المجربة لعلاج الأوبئة والفيروسات هي الطريقة المثلى للتعامل مع المرض، في ظل غياب اتفاق دولي أو تعاون أممي ضد الفيروس المستجد.
ويرى الكثير من الخبراء أن التوجه نحو بلازما الدم للأشخاص المتعافين ربما يكون سبيل النجاة من خطر المرض.