(د سحر حمود\استاذة في الجامعة اللبنانية)
برز في الآونة الاخيرة الحديث عن "وصمة" كورونا بالتزامن مع الخوف الكبير من العدوى بالمرض الخطير الذي انتشر عالمياً. أصبح الافراد داخل المجتمع يصنفون محيطهم بين من هم "أسوياء" ومن هم "موصومون". وأصبح المجتمع يعيش رهاب الاختلاط الاجتماعي خوفاً من وصمة الحجر او ما يسمى بـ "وصمة كورونا"، فتغيرت أنماط العلاقة بين الأفراد حتى في العائلة نفسها، وشهدت مجتمعاتنا موجات من الخوف الجماعي مع غياب توقعات انتهاء الأزمة.
إذ بعد مضي أكثر من شهرين على جائحة كورونا، وعلى الرغم من الخيارات الواضحة والارشادات الدقيقة التي توفرها الجهات المختصة لحماية المواطنين والحؤول دون انتشار العدوى. فإنه لا يزال حتى اليوم يعيش العديد من الافراد "عذاب الوصمة"، و"عزلة اجتماعية مقفلة" نتيجة العزل والاستبعاد الجماعي لهم من قبل المحيطين، بدلاً من الاهتمام وتوفير الدعم والمساندة لهم.
إن نظرة الشك التي يحملها أفراد المجتمع تجاه هذه الفئة ناتجة عن أحكام مسبقة لا تستند على أدلة منطقية أو طبية، وناتجة أيضاً عن ضغط نفسي وهو الخوف من انتقال العدوى من جهة والخوف من المستقبل المجهول في مواجهة واحتواء حدة الوباء من جهة أخرى. فتسيطر فكرة الأمن الذاتي الشخصي وتأمين الحماية حتى من أقرب المقربين. ويزداد حدة هذا الشعور مع انتشار الشائعات الإخبارية لاسيما على وسائل التواصل الاجتماعي "غير المراقبة" وغياب الوعي بأصل مفهوم "الحجر" أو "العزل" في مجتمعات لم تعتد على إدارة الأزمات الطارئة لاسيما الصحية منها.
تجتمع كل هذه الآثار النفس اجتماعية في الحكم على الأفراد "المحجورين" ليشكل هذا السلوك عائقاً امام تقبلهم لواقعهم الجديد الذي يضمن "الحماية" لهم ولبقية المجتمع، وهو مسؤولية اجتماعية تتطلب منهم مجهوداً عظيماً لا يكتمل إلا بدعم ومساندة لهم ولأسرهم من بقية المجتمع لاسيما المحيطين بهم.
إن مريض "كورونا" ليس مسؤولاً بصفة شخصية عن إصابته، فقد يكون ملتزماً بكافة الإجراءات والتدابير إلا أن إصابته قد تكون حدثت بشكل غير متوقع، وهذا المرض هو حالة مؤقتة ومشروطة بالسعي إلى الشفاء واستعادة العافية. لذلك، تتطلب هذه المرحلة أنماطاً سلوكيةً جديدةً وروتيناً يومياً جديداً يوفر الاستقرار والتكيف له، ويتضمن هذا الروتين جزءاً كبيراً من التفاعل الاجتماعي الذي كان معتاداً عليه ولكن بأسلوب جديد يضمن السلامة العامة، وتفاعلاً مركزاً يساعده على تخطي هذه الأزمة اما مع مختص صحي أو اجتماعي أو نفسي، واما مع مقرّب يستطيع إدارة الانطباعات وفق تفاهمات مشتركة لكافة انفعالات المريض وتصرفاته.
إن هذه المرحلة هي مؤقتة على الرغم من أنها قد حملت في طياتها العديد من التغيرات في الأنماط السلوكية التي كان لا بد منها للتكيف معها. وهي تتطلب مزيداً من الوعي بضرورة أخذ الوقاية الكافية والشروط الصحية اللازمة من جهة واحتضان المصابين او الذين حجروا أنفسهم من باب الوقاية من جهة أخرى، بحيث نتعامل معهم بشكل طبيعي وضمن الضوابط المطلوبة دون أي رهاب أو مخاوف زائدة.
إن الاهتمام بهذه الشريحة في لحظة الأزمة والعزل هو ضرورة اجتماعية وإرشادية كي لا تترك آثارها النفسية والاجتماعية عليهم وعلى المحيطين بهم خصوصاً ان كل واحد منا مرشح أن يكون واحداً من الذين يمرون بهذه التجربة، وأنها أيضاً معركة قيم وسلوك تستند الى الوعي والعطف والمحبة معاً لخلق جوٍ من التضامن الاجتماعي.