(موقع العهد الإخباري)
عقب انتشار صور الاختلاط "المشؤوم" الذي حصل تحت شعار "الأعياد" في لبنان، باتت صورة القادم من الأيام أكثر وضوحاً. "دبّ" المعنيون الصوت بأنّ الانفجار الكبير في الإصابات بفيروس "كورونا" قادم. الاحتفال بالعيد تحوّل الى ورقة "نعوة" في ديار كثيرين. بعضهم لم يفقه ربما المعنى الحقيقي للعيد المتمثّل بسلامة الأحباء، فساهم وإن من غير قصد في أذيتهم وربما قتلهم. للأسف، غياب الوعي المجتمعي أوصلنا الى المنحدر الصحي الذي وصلنا اليه اليوم. والحق يُقال إنّ مقاربة لبنان للأزمة، وإدارتها من قبل وزير الصحة الدكتور حمد حسن جعلت لبنان في بداية انتشار الفيروس مضرب مثل، قبل أن يُساهم "الاستهتار" في تدمير الجهود التي بُذلت وإضاعتها.
ولعلّ أخطر ما في الصورة السوداوية التي تسود اليوم يكمن في وضع القطاع الاستشفائي الضاغط جداً. هذا الوضع دفع البعض من أهل الاختصاص الى القول بأنّ لبنان لا يسير على النموذج الإيطالي فحسب، بل إنّ النموذج اللبناني سيُصبح مضرب مثل في العالم لقساوته وحراجة الأوضاع التي جعلت العثور على موطئ قدم في طوارئ المستشفيات بمثابة الأمر الصعب وسط نفاد القدرات الاستيعابية في محلات عديدة. يُحكى في هذا الصدد عن تجارب عديدة دفعت البعض الى التنقل من مستشفى الى آخر في رحلة البحث عن سرير لمريض "كورونا" من أهله أو أقربائه.
بموازاة هذا الواقع، كان الإقفال العام أكثر من ضرورة أقله لتلتقط المستشفيات أنفاسها. لكن للأسف، مرّ نحو عشرة أيام على هذا الإقفال، وأوضاع المستشفيات تزداد حراجة. كيف لا والحصاد الآن لما جناه الاستهتار المجتمعي عشية الأعياد. هذا الأمر تفسّره الأرقام الكارثية حيث إيجابية الفحوصات تتخطى العشرين بالمئة، وهي نسبة عالية جداً. نسبة لم ترحم عداد الإصابات الذي يسجّل الآلاف يومياً. تماماً كما لم يرحم عدد من المستشفيات الخاصة مرضى "كورونا" عبر تخلفهم عن القيام بواجباتهم في هذه المعركة المصيرية.
فواز: القطاع الاستشفائي لم يلتقط أنفاسه.. وعدد مرضى العناية الفائقة تضاعف بعد ليلة رأس السنة
رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة الدكتور هشام فواز يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ القطاع الاستشفائي لم يلتقط أنفاسه بعد 10 أيام على بدء الإقفال العام، بل على العكس من ذلك. وفق فواز، جيد أننا عملنا على وقف التدهور، لكنّ آثار الاقفال تحتاج الى 14 يوماً كي تظهر، خصوصاً أنّ من التقط الفيروس ليلة رأس السنة بدأت اليوم تظهر الإصابة عليه. يُجري فواز نوعاً من المقارنة بين واقع القطاع الاستشفائي قبل وبعد ليلة رأس السنة. في 1 كانون الثاني 2021 كان لدينا 455 مريض كورونا في العناية الفائقة. أمس الجمعة في 22 كانون الثاني 2021 أي بعد 22 يوماً، بات عدد مرضى كورونا في غرف العناية الفائقة 892 شخصاً، أي أن عدد مرضى العناية الفائقة تضاعف في فترة قليلة جداً، ما يدل على أنّ الوضع قابل للتدهور في أي لحظة وبشكل سريع جداً.
950 سرير عناية فائقة
يدخل فواز في تفاصيل الواقع الاستشفائي، موضحاً بلغة الأرقام أنّ هناك 102 مستشفى حكومي وخاص يشارك في معركة "كورونا" حتى تاريخه. من بين هذه، هناك نحو 21 مستشفى حكومي هي:"رفيق الحريري الجامعي، بعبدا، سبلين، فتوح كسروان الحكومي - البوار، ضهر الباشق، زحلة، راشيا، حاصبيا، مشغرة، النبطية، صيدا، جزين، البترون، المنية، بشري، طرابلس، بنت جبيل، تبنين، بعلبك، الهرمل، والمستشفى الحكومي-حلبا". ويلفت فواز الى أنّ 229 سرير عناية فائقة جرى إشغالها في هذه المستشفيات الحكومية حتى تاريخ الأمس. وبحسب فواز، لدينا نحو 650 سرير عناية فائقة في المستشفيات الخاصة. وهنا لا يخفي فواز أنّ بعض المستشفيات اضطرت الى وضع مرضى عناية فائقة في طوابق أخرى. على سبيل المثال، مستشفى الجعيتاوي الذي يمتلك 16 سرير عناية فائقة، اضطر لوضع مرضى عناية في الطوابق الأخرى ما مكّنه من تجاوز الـ30 مريض عناية. كما اضطرت مستشفيات الى استقبال مرضى عناية في الطوارئ. وعليه، لدينا -وفق فواز- حوالى 950 سرير عناية فائقة تتوزع بين مستشفى حكومي وخاص اذا ما أضفنا الموجود في الطوارئ أيضاً.
1850 سريراً للاستشفاء العادي ونسبة الإشغال 85 بالمئة
أما في ما يتعلّق بالاستشفاء العادي لمرضى كورونا، فيؤكّد رئيس دائرة المستشفيات في وزارة الصحة أنّ لدينا حوالى 1850 سريراً ما بين مستشفى حكومي وخاص. نسبة الإشغال لهذه الأسرة حالياً تبلغ نحو 85 بالمئة في لبنان. لكنها تختلف -وفق فواز- بحسب المناطق، ففي بيروت سجّلت هذه النسبة المئة بالمئة. ومنذ أكثر من 10 أيام لا أسرة شاغرة في العناية الفائقة ولا حتى للاستشفاء العادي. المصابون يتوجهون الى الطوارئ. وفي جبل لبنان تبلغ نسبة الإشغال حوالى الـ95 بالمئة سواء في العناية الفائقة أو الاستشفاء العادي.
خطة لوزارة الصحة في المستشفيات الحكومية.. وخلال أسبوع سيضاف ما بين 35 الى 40 سرير في العناية الفائقة
وفي معرض حديثه، يؤكّد فواز أن وزير الصحة الدكتور حمد حسن ورغم مرضه عقد أمس اجتماعاً مطولاً جداً مع مديري المستشفيات الحكومية. بحسب فواز، تمحور الاجتماع حول خطة لزيادة عدد الأسرة في المستشفيات الحكومية. الخطة ستتم عبر مرحلتين؛ مرحلة سريعة جداً ستظهر نتائجها خلال الأيام المقبلة، ومرحلة خلال الأسبوعين المقبلين. لا ينكر فواز أن مسألة التوسعة ليست بالسهلة، ولكنه يأمل أن يكون لدينا أعداد كبيرة، اذ خلال أسبوع ستتم إضافة ما بين 35 الى 40 سرير في العناية الفائقة.
على المستشفيات الخاصة واجب وطني
وفي المقابل، يرى فواز أنّ على المستشفيات الخاصة واجبا وطنيا، وعليها أن تقوم بمسؤولياتها حتى النهاية. ويشدّد على أنّ المستشفيات الحكومية كانت منذ بداية المعركة صمام الأمان، فيما ظهرت المستشفيات الخاصة على الخط بشكل كبير في آخر شهر تحديداً. وهنا يقول فواز: "صحيح أن عدداً من هذه المستشفيات فتح أقساماً لكورونا تحت الضغط والتهديد بوقف الجهات الضامنة ونشر أسمائها، لكن يتوجّب على المستشفيات أن توسّع أقسامها أكثر فأكثر". وفق قناعاته، عندما تنوي هذه المستشفيات المساهمة تستطيع.
وضع المستشفيات صعب وضاغط
ويشدّد رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة أنّ وضع المستشفيات صعب وضاغط، وهناك ضغط على القطاع الصحي والعاملين الصحيين. هذا الواقع، يحتّم على الجميع تحمل مسؤولياته والالتزام بالاقفال لأنّ الوضع لا يحتمل، وأي اختلاط شبيه بما حصل ليلة رأس السنة، سيكون لبنان معه أمام واقع يصح فيه المثل القائل: "يطعمك الحج والناس راجعة".
كل مواطن يجب أن يكون مسؤولاً
وفي الختام، يطالب فواز كل مواطن أن يكون مسؤولاً. وفق قناعاته، هناك مسؤولية على الفرد والمجتمع قبل أن يكون هناك مسؤولية على الدولة. من الطبيعي أن تتحمل الدولة مسؤولياتها، ولكن على كل فرد أن يتحمل مسؤولياته لحماية كبار السن وأقربائه عبر الالتزام بالتدابير الوقائية من وضع الكمامة الى التباعد الاجتماعي وغسل اليدين. برأيه، وصلنا الى مرحلة لم تعد تتحمل المزيد من الضغط، وعلى كل مواطن الاقتناع بأن "كورونا" ليست مزحة خاصة بعد أن أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي كـ"ورقة نعوة"