صحيفة الاخبار اللبنانية - نادر حسين*
سلّطت أزمة كورونا الضوء بشدّة على عمل المختبرات الطبية في العالم، ولا سيّما الوطنية منها. فهذه المختبرات تُعتبَر مرجعيّة للصحة العامة وتلعب دورًا حاسمًا في الإختبارات التشخيصيّة لفيروس كورونا المستجد وإيجاد الأدوية واللقاحات المناسبة، ما يعني أنّ دورها مركزي ومحوري في مكافحة الجائحة.
في لبنان، العديد من هذه المختبرات البحثية والتشخيصية، من بينها مختبر الجامعة اللبنانية. فما هي مقوّماته وظروف عمله والطاقات المفروزة له؟
مما لا شك فيه بأن الجامعة، منذ نشأتها، تلعب دور الملتقى الجامع للنقاشات العلمية، وللنشاطات الفكرية والثقافية. ورغم الظروف القاسية التي عصفت بالبلد، استمرّت جامعةً بحجم الوطن، ولكافة شرائحه. ومع بدء أزمة انتشار جائحة كورونا، كانت في طليعة المدافعين عن الأمن الصحي للمواطن اللبناني، إذ تطوّع طلاب كلية الطب فيها للتصدّي للفيروس مع فريق عمل وزارة الصحة ولم يتركوا الميدان. كما وضعت مختبراتها في خدمة وزارة الصحة منذ تموز الماضي. وفي خطوة تعكس الثقة بها وبمختبراتها والعاملين فيها، كان اتفاق التعاون بين الجامعة ووزارة الصحة. وبموجب هذا التعاون، توّلى كل من فريق مختبر علم الأحياء الجزيئيّ البحثيّ في كلية العلوم ومختبر البيوتكنولوجيا في المعهد العالي للدكتوراه مهمة إجراء فحوصات الـ PCR للوافدين الى لبنان، سواء عبر المعابر البرية أو عن طريق مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي. كما يقوم المختبر، بشكل يومي، بإجراء الفحوصات المجانية لعيّنات المسح الميداني التي ترده من فريق عمل وزارة الصحة والمؤسسات الحكومية. ويضمّ المختبر 35 عاملاً منهم 20 أستاذًا باحثًا، إضافة إلى خريجي الكلية الحائزين على ماستر بحثي، وهو يعمل على مدار الساعة.
إلى جانب الفحوصات اليومية الروتينية التي يجريها المختبر، يقوم عدد من الباحثين بوضع استراتيجية بحثية لرصد وتتبع المتحوّرات الجديدة لفيروس كورونا. وهذا ما أثبته الباحثان في المختبر الدكتور فادي عبد الساتر والدكتور قاسم حمزة، بالتعاون مع مستشفيي بهمن والرسول الأعظم، بالنسبة لانتشار المتحور الجديد لفيروس كورونا (على الاغلب المتحور البريطاني الذي يعرف بـ B1.1.7). وأهمية تتبع المتحورات الجديدة للفيروس وما تحمله من طفرات (لم تظهر من قبل)، يساعدنا في فهم وتقييم التالي:
1 ـ الانتشار السريع للفيروس وهذا ما شهدناه في لبنان في الفترة الاخيرة. وقد سجّل الباحثون في إنكلترا انتشارا سريعا للمتحور الجديد بين 50 و70 %، إضافة إلى ارتفاع نسب الوفيات ونسب الإصابات بين الأطفال.
2 ـ حدة العوارض أو الأمراض التي يسببها الفيروس خصوصاً أنه في حال لم يتمكن العالم من احتواء انتشاره سريعاً فإنّ ذلك قد يؤدي إلى ظهور متحورات اكثر فتكًا.
3 ـ عدم إمكانية رصد الاصابات عبر الفحوص المتبعة كالـ PCR مثلا، بحال تحور الفيروس بشكل كبير. وهنا تكمن اهمية فك الشيفرة الوراثية للفيروس بشكل دائم.
4 ـ تأثير هذه المتحوّرات على فعالية اللقاحات المتوافرة، وقد بدأ الحديث عن انخفاضٍ لفعالية لقاح فايزر بالنسبة للمتحورة الأفريقية.
الجامعة قادرة على تمويل نفسها إذا ما أتيحت الفرص وفُكّ عنها طوق الأسر
إلى ذاك، يقوم الباحثون في كلية العلوم بالعمل على عدد من المشاريع العلمية في مجال فيروس كورونا المستجد والتي أظهرت نتائج علمية مهمة سيتم نشرها قريبًا.
أعادت تجربة مختبر الجامعة اللبنانية بالتصدي لجائحة كورونا الحياة إلى مجمع رفيق الحريري الجامعي الذي أصبح ليله كما نهاره مليئًا بالحركة والنشاط من استقبال للعيّنات إلى إصدار النتائج واعمال البحث. وأثبتت أحداث الفترة الأخيرة أنّ الجامعة قادرة على تمويل نفسها إذا ما أتيحت الفرص وفُكّ عنها طوق الأسر وترك كوادرها لاستثمار إمكاناتهم. كما أنها قادرة على تأمين خدمات صحية للعامة بكلفة متدنية جدًّا، كما يحدث اليوم في كلية طب الأسنان والمركز الصحي الجامعي.
تطور الجامعات وتقدّمها مؤشران على مدى تقدم الشعوب وتطورها. ودعم الجامعة اللبنانية يعطي الفرص لظهور كافة الامكانات الكامنة في مختلف فئات المجتمع.
* أستاذ وباحث في كلية العلوم في الجامعة اللبنانية