نقلًا عن موقع "العهد" الاخباري - إيهاب شوقي
اتخذ فيروس كورونا لقبًا علميًا شهيرًا وهو "المستجد" بسبب التطورات التي لحقت بتركيبته. ويبدو أن هذا اللقب سيتخذ ابعادا سياسية واقتصادية واستراتيجية بسبب المستجدات التي سيفرضها تفشي الوباء على عالم السياسة والاقتصاد والتوازنات الجيو-استراتيجية، وهو ما يجعله فيروسًا سياسيًا مستجدًا.
فقد كان عنوان اللحظة العالمية قبيل تفشي الوباء هو تعثر تشكل نظام عالمي جديد، حيث يمر العالم بمخاض صعب نشأ عن تبدل في التوازنات الخاصة بالتجارة العالمية وتوازن الرعب وعدم قدرة المكونات التقليدية للنظام العالمي على الحفاظ عليه. فبدأ نظام على رأسه الولايات المتحدة كعملاق يقف على قدمين من طين، كما تم وصفه، وبدت ملامح التحول متراوحة بين تحول سلمي ناعم يعترف فيه كل طرف بموازين القوة المستجدة، وبين آخر عنيف ينذر بحرب كبرى مدمرة نتيجة الكبر والعناد.
وانسحبت هذه الحالة الخطيرة على جميع المستويات بدءًا من صراع القوى العظمى التقليدية والصاعدة، وصولًا للصراعات الاقليمية، بل انسحب الامر الى مستويات داخلية في الدول ذاتها بين السلطات والمعارضات.
واتسمت حالة المخاض بتطبيقات واستراتيجيات مثل "حروب الظل" او ما تعرف بحروب المنطقة الرمادية، وكذلك استراتيجية صهيونية تعرف بـ "المعركة ما بين الحروب"، وهي استراتيجيات تتحايل على التوازنات الجديدة، لتتحول معها الحرب العسكرية التقليدية بمخاطرها وتكلفتها، الى حروب خفية ومحدودة تتلافى التصعيد الذي يقود لحروب كبرى.
ولم تكن الدول التي اتبعت هذه الاستراتيجيات وعلى رأسها امريكا وكيان العدو الصهيوني، تتردد لحظة في شن حروب كبرى، لو أنها أيقنت انتصارها، ولكن اتباع هذا النمط، هو دليل على التوازنات الجديدة التي طرأت وعلى تراجع الفجوة بين المعسكرات المتباينة.
وبعد تفشي الوباء وما أحدثه من هزات عنيفة على مختلف الأصعدة، بدأت شواهد لتطور هذه الأنماط، والتسريع بسريان التحولات وولادة نظام جديد، وبدأت هذه الشواهد تتحول لنذر صدامات ضخمة تغير من قواعد اللعبة. من أهم هذه الشواهد:
1- التحول من الجانب الدعائي الناعم نسبيا، الى جوانب عملية خشنة. فبعد الحرب التجارية الهادفة الى اعادة ضبط ميزان التجارة واتباع نمط العقوبات والدبلوماسية القسرية، بدأت نذر تصعيد خشن، باتهامات امريكية مباشرة للصين، بل وأرفقت بتهديدات وانضمام للناتو لتصدير الازمة، الى جانب تصاعد الممارسات الخطيرة من التخلي عن معاهدات واقرار مراسيم تخص الفضاء، والتعمق في اجراءات شعبوية تنذر بحالة توتر قد تقود الى التهور.
2- على المستويات الاقليمية، ظهرت محاولات للعبث بقواعد الاشتباك التي خلفتها مرحلة ما قبل تفشي الوباء، وذلك اعتمادا على انشغال المعسكرات بجراحها الناجمة عن الوباء، فعبثت خفافيش الظلام في ليبيا لتغيير معادلة القوة، وفي مصر باعادة مشروع التقسيم وفصل سيناء للواجهة مشفوعة بتجدد الارهاب، ولبنان بخروقات واستفزازات صهيونية مع محاولات تجديد القلاقل الداخلية.
3- بدا النموذج الليبرالي الغربي مهددا بشكل غير مسبوق، وهذا النموذج كان عمود خيمة الهيمنة والقوة الناعمة للاستعمار، وبدا التناقض واضحا، بل وفاضحا، بين الدعاية الليبرالية والممارسة العملية، ولا شك ان اهتزاز هذه الصورة سيفرض نمطا جديدا للهيمنة، قد يكون على غرار الاستعمار التقليدي عبر الضغوط الخشنة وربما العدوان العسكري في بعض البؤر وفقا للتوازن العسكري ومقدار المقاومة في هذه البؤر.
4- المستجدات الخاصة بالانتاج الصناعي وأرقام البطالة المرعبة والناتج المحلي لدى الدول الكبرى، والتي ستمتد لوقت طويل حتى بعد انتهاء الجائحة، ستترك آثارها على طبيعة التحالفات وأولويات الميزانية وكذلك سياسيا، قد تغير من طبيعة نظم الحكم وتوجهاتها، فقد تعصف بأحزاب وتأتي بأخرى ذات توجهات مغايرة، وهو ما يترتب عليه سياسة خارجية متغيرة تعيد تشكيل الصورة الدولية.
5- الضرر اللاحق بالبترو دولار عبر انهيار اسعار النفط، قد تترتب عليه اثار كبرى في المرحلة الانتقالية بين الوضع الراهن ووضع التعافي، وقد يصبح التعافي طويل الامد، وقد تنشأ تغيرات دائمة تفقد هذا السلاح فعاليته الراهنة، وهو انكشاف استراتيجي كبير لدول الخليج التي اعتمدت على هذا السلاح بشكل حصري دون اعتماد وسائل اخرى بديلة.
الوضع الراهن هو وضع خطير يتراوح بين سيناريو آمن، قوامه التعاون الدولي والاقليمي لتجاوز الازمة، وبين سيناريو خطير وكارثي، قوامه الفوضى وشريعة الغاب.
وستميل الكفة تجاه كل سيناريو وفقا لعدة عوامل، أهمها طول أمد الأزمة الراهنة، والتفاعلات الشعبية وما ينجم عنها من تغيرات سياسية، والاهم هو مقدار تنامي ثقافة المقاومة لردع اي محاولات لاستعادة الاستعمار التقليدي او فرض قواعد اشتباك جديدة بحكم الانشغال.
لقراءة المقال من الموقع اضغط هنا