نقلا عن صحيفة "الأخبار" اللبنانية - راجانا حمية
كان من المفترض أن «يعدّل» فيروس كورونا وضعية الممرضين والممرضات، على الأقل لناحية تحسين رواتبهم وإعطائهم بعض المحفزات. لكن حصل العكس، إذ زادت «تجربة» الفيروس من التعسف الذي وصل حدّ تشغيلهم دوامات إضافية وحسم بعض المستشفيات «أيام الحجر» من راتب الممرض المصاب!
قبل أشهرٍ، أضيفت إلى عدّاد الإصابات اليومي خانة للعاملين في القطاع الصحي. مع انتشار فيروس «كورونا»، بات هؤلاء في قلب الخطر، إذ أن معظمهم على «خط التماس» الأول مع المصابين. اليوم، بات الرقم الذي يخصّ هؤلاء في العدّاد أساسياً ومخيفاً، وكلما «تقدّم» الفيروس في البلاد، زادت أعداد الممرضين المصابين.
2375 هو رقم المصابين من العاملين الصحيين حتى الآن. وإذ يعدّ هذا الأمر «بديهياً» في معظم بلاد العالم، إلا أنه هنا يصبح أقرب إلى «الورطة»، لاعتبارات كثيرة، ليس أقلها سوء تعامل المستشفيات معهم، مروراً بالثقل الذي تفرضه إصابة بعضهم على بقية الزملاء الذين يضطرون إلى تغطية النقص الذي بات فاضحاً. بعد أحد عشر شهراً على بدء معركتهم التي أصبحت أصعب مع آلاف الإصابات يومياً، تسير أحوال الممرضين والممرضات نحو الأسوأ، ويزيد الأمور سوءاً «التعسف» الذي تمارسه المستشفيات بحق البعض، على ما تقول نقيبة الممرضين والممرضات ميرنا ضومط. فبدل أن يحظى هؤلاء بما يعوّض تعبهم، تتعامل معهم المستشفيات «على القلم والورقة»، على ما تقول إحدى الممرضات، ما يدفع بعضهم إلى التزام منازلهم بسبب «التعامل اللاإنساني معنا». وفي هذا الإطار، تروي ممرضة في أحد المستشفيات الخاصة أن ستة من زملائها تقدّموا الأسبوع الفائت باستقالاتهم لأنهم «ما عادوا قادرين على الاستمرار بالوضع نفسه (...) تخلّوا عن الإنذارات وعن التعويض لأنهم تعبوا». وتلفت ممرضة أخرى الى أنه «في البداية كنا نقنع أنفسنا بأن الخبرة التي نكتسبها تسعفنا في سيرتنا الذاتية في ما بعد. لكن اليوم، في ظل انعدام المحفزات، بات التعب أقوى من السيرة الذاتية». لهذا، «تجرأت» على ترك عملها كي «أرتاح. لا أكثر ولا أقل».
لكن هذا خيار لا يستطيع كثيرون اتخاذه، وخصوصاً في ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الضاغطة، بالنسبة إلى البعض «العمل بالضغط أفضل من لا شيء»، وإن كانوا في سرهم يعرفون أن هذا «كلو على حسابنا»، يقول أحد العاملين. والتعب هنا ليس في تضاعف عدد ساعات العمل بعد «هروب» بعضهم و«تشحيل» المستشفيات للبعض الآخر، وإنما بسبب غياب المحفزات. ناهيك عن أن تصرفات بعض المستشفيات، ومنها مستشفيات جامعية، مع الممرضين دفعتهم إلى اتخاذ أمرّ الخيارات. وليس أقل تلك التصرفات قبحاً «الحسم من راتب الممرض عندما يصاب بالفيروس»، تقول ضومط. وهو ما يخالف القانون والأخلاق. ففي وقت يفترض أن تكون أيام الحجر على حساب المستشفى، تمعن المستشفيات في «إذلال الممرضين، فتسألهم مثلاً من أين أصبتم بالفيروس؟»، على ما تقول ضومط. وغالباً ما تأتي النتيجة لغير مصلحة الممرضين، وتحسم أيام الحجر من رواتبهم. إضافة الى إجراءات أخرى، منها الحسومات على الرواتب بسبب أزمة الدولار. تشير إحدى الممرضات إلى أنه «منذ ثلاثة أشهر تحسم الإدارة 30% من رواتبنا بسبب أزمة الدولار».
يحدث هذا كله في وقت يفرض على هؤلاء العمل بدوامٍ مضاعف، بسبب النقص في عديدهم. وفي هذا الإطار، توضح إحدى الممرضات أنه في قسم الطوارئ في المستشفى اليوم، «نعمل 3 ممرضين فقط، وأنا كممرضة أساسية (مجازة) أعمل وحدي ضمن الدوام ومعي مساعد ممرض لمدة 12 ساعة متواصلة». والأنكى من ذلك، «أنني أعمل في قسم الطوارئ مع المرضى العاديين ومع مرضى الكورونا في الوقت نفسه»! مع ما لذلك من مخاطر نقل العدوى، ولهذا السبب «أبلغت الإدارة بأنني إما أكون في قسم كورونا أو مع المرضى العاديين». ولكن غالباً ما يكون الجواب: «سنأتي بآخرين ليحلّوا مكانكم في أقسام الكورونا». منذ ثلاثة أشهر، تسمع الجواب نفسه، وقبل أيامٍ «حيث استبدلت دواماتي الشهرية من 15 دواماً إلى 21 دواماً، بعد استقالة 3 ممرضين من القسم».
ما تقوله الممرضة تدركه جيداً ضومط التي تتحدث عن «قسمة» غير عادلة يعانيها العاملون في المستشفيات، سواء في الأقسام العادية أو أقسام الكورونا. ففي وقت تشدد «كل قوانين العالم» على أن تكون هناك «ممرضة لكل 8 مرضى في الأقسام العادية كحد أقصى، يصل عدد المرضى الذين تتابعهم الممرضة الواحدة في لبنان إلى 18». أما في أقسام الكورونا فحدّث ولا حرج، إذ استنزف الممرضون، «واليوم هناك 3 ممرضات على 24 ساعة لمرضى الكورونا في العنايات الفائقة و3 ممرضات لخمسة مرضى كورونا في الغرف العادية». هل هذا عادل؟ تقول ضومط لا، «لكنه الواقع»، وإن كانت النقابة تطمح اليوم إلى واقع مغاير. والطموح هنا من شقين: أولهما «مادي، وتتحمل الدولة جزءاً من المسؤولية هنا»، وثانيهما معنوي يتعلق بالعمل على «إعادة الثقة بين القطاع التمريضي والمستشفيات».