(جريدة الأخبار اللبنانية)
يصطدم الإنجاز «السريع» في التوصل إلى «باقة» من اللقاحات المضادة لفيروس «كورونا» بسؤال الحرية الفردية. إذ أن قسماً كبيراً من سكان المعمورة، في الدول المتقدمة والنامية على السواء، يربط اللقاحات بـ«مؤامرات كونية».
في دراسة حديثة أجرتها كلية الطب في جامعة واشنطن تبيّن أن 52% من الأميركيين فقط مستعدّون لتلقّي لقاح ضد «كورونا». وهذه النسبة غير كافية للتوصل إلى حصانة مجتمعية، ما يجعل من عملية التلقيح مضيعة للوقت. إذ أن غير الملقّحين سيعيدون نشر الفيروس مجدّداً وربما بنسخة متحوّرة تتجاوز المناعة التي يكتسبها من تلقوا اللقاح. هذا الانقسام يطرح أسئلة أخلاقية حول العالم، من نوع: كيف يمكن، أخلاقياً، الإجبار على تلقي لقاح لم تُدرَس آثاره الجانبية على المديَين المتوسط والبعيد؟ وهل يمكن فرض اللقاح على الأفراد أم يجب احترام حريتهم الشخصية؟
بحسب أخصائية الأخلاقيات الطبية والإكلينكية، المديرة المؤسّسة لبرنامج سليم الحص للأخلاقيات الأحيائية والاحتراف في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت، تاليا عراوي، فإنّ طرح الإلزام باللقاحات «يتطلّب أن يكون صادراً عن حكومة موثوقة، ويترتّب عليه وجود نوع من المحاسبة في حال عدم الالتزام». إلّا أن الأهم هو «شرح أسباب قرار كهذا من الناحية العلمية». إذ أن «التطعيم الإلزامي هو سياسة صحّية مبرّرة عند استيفاء الشروط الأخلاقيّة، كما يجب أن يسبق ذلك توازن بين المخاطر والفوائد. ويجب النظر في التطعيم الإلزامي فقط إذا كان ضرورياً، ومتناسباً مع أهداف الصحة العامة التي تحدّدها سلطة الصحة العامة الشرعية. بمعنى أن الشروط الأخلاقية لإلزامية التلقيح تفرض على الدولة أن تضع أمام المواطنين خطّة واضحة الأهداف، مع عرض شفّاف بالأدلة على فعالية اللقاح في منع انتشار المرض وحماية الأفراد وتخفيف العبء عن نظام الرعاية الصحية. وكذلك عرض أدلة كافية على سلامة اللقاح وتوفره». وتلفت عراوي إلى أن «فرض اللقاحات ليس مطروحاً في لبنان، على الأقل في الوقت الراهن. ومتى حدث ذلك، ينبغي أن يكون هناك كثير من النقاش والتفكير في المسائل الأخلاقية والصحة العامة».
التطعيم الإلزاميّ سياسة صحّية مبرّرة عند استيفاء الشروط الأخلاقيّة
في مدن غربية عدة، خرجت منذ انتشار «كورونا»، تظاهرات عدة ضد إلزام المقيمين بارتداء الكمّامة باعتبار الأمر انتهاكاً للحرية الشخصية، وتشير عراوي إلى أنه عند اقتراح العلماء والباحثين التباعد الاجتماعي باعتباره السبيل الوحيد الممكن لوقف انتشار الفيروس، كانوا أول من اعترف بأن ذلك قد لا يكون سهل التنفيذ في «المجتمعات الحرة». ولفتت إلى أن القادة ذوي النزعة النيوليبرالية والشعبوية استخفّوا بالإجراءات للحدّ من انتشار الوباء، بينما في أماكن أخرى من العالم، وجدت بعض الدول فرصة أكبر للحد من الوباء في الرقابة وحظر التجول وفرض حالات الطوارئ أكثر مما وجدته في نداءات التعافي الاقتصادي. «والمشترك بين الأمرَين هو شهوة السلطة والتلاعب بجائحة لدعم تلك الشهوة، وطرح الخيار الزائف بين الصحة العامة والحرية الفردية». وتوضح أن «التضحية الحقيقيّة التي ينطوي عليها التباعد الاجتماعي وأوامر البقاء في المنزل ليست ببساطة مسألة الحرية الفردية. والحقيقة هي أن هذه التدابير يمكن أن تسبّب مشقة لبعض الناس أكثر من غيرهم. بالنسبة إلى البعض، قد تتمثّل هذه المشقة بخسارة في الدخل؛ وبالنسبة لآخرين في عدم القدرة على زيارة ذويهم. لذلك ليس الأمر مجرّد مسألة حرية فردية مقابل الخير الاجتماعي، بل هو فهمنا أن الاثنين لا يمكن فصلهما».