(جريدة الأخبار اللبنانية)
عملياً، بات لبنان تحت «السيطرة التامة» لـ«النسخة البريطانية» المتحوّرة والأسرع انتشاراً من فيروس «كورونا»، مع وصول نسبة المصابين بها إلى 98% من الحالات المؤكدة، فيما سُجّل ظهور «نسخة تشيكية» جديدة قادرة على مقاومة المناعة المكتسبة ضد الفيروس
98 في المئة من حالات الإصابة بفيروس «كورونا» في لبنان هي من «النسخة البريطانية» المتحوّرة من الفيروس، والتي تملك قدرة أكبر بـ 70 في المئة على الانتشار من الفيروس العادي، فيما سُجّل ظهور نسخة متحوّرة أخرى من الفيروس تنتشر في دولة تشيكيا بسرعة، وتمتلك قدرة على مقاومة المناعة المكتسبة ضد «كورونا»، ما يعني إمكان الإصابة بالعدوى مجدداً، ويثير علامات استفهام حول قدرة اللقاحات المكتشفة على مقاومتها، علماً بأن المتحورات الجديدة تنتقل بشكل أسرع، ويمكنها إصابة الفئات العمرية الشابة بحالات شديدة من «كوفيد-19».
ومنذ بداية كانون الثاني الماضي، تسارعت بشكل جنوني نسبة حالات الإصابة بنسخة متحوّرة من كورونا في مختبرات كل من مستشفيي «الرسول الأعظم» و«بهمن». فبعدما بلغت نسبة الإصابات بالنسخة المتحوّرة 16% من الحالات الإيجابية في الأول من الشهر الماضي، وصلت في الأيام القليلة الماضية إلى 95%، و98% وأحياناً 100%! «عملياً، أصبحت النسخة البريطانية المتحوّرة من الفيروس هي المسيطرة»، بحسب الباحث في الجامعة اللبنانية فادي عبد الساتر.
وكان عبد الساتر قد رجّح في حديث إلى «الأخبار»، في 15 الشهر الماضي، أن تكون عيّنات الفيروس المتحوّرة في المستشفيين تابعة للنسخة البريطانية. إلا أن الأمر تأكّد بعد تحليل تسلسل شيفرة الفيروس كاملةً في مختبرات «منظمة الصحة العامة في إنكلترا» التابعة لوزارة الصحة البريطانية (وهو التحليل الكامل والأول من نوعه للمتحور الجديد في لبنان).
بداية، أنشأ عبد الساتر بالتعاون مع الباحث قاسم حمزة بروتوكول «PCR» خاصاً لتحديد النسخة المتحوّرة البريطانية من غيرها في عينات المصابين. وبعد موافقة وزارة الصحة، أرسل الفريق عيّنات عشوائية الى مختبر «منظمة الصحة العامة» في بريطانيا، وإلى مختبرات في دول أخرى، لتحديد التسلسل الكامل (sequencing) لشيفرة الفيروس في تلك العيّنات، بما يمكّن من تحديد نوع النسخة الموجودة بشكل دقيق. الدفعة الأولى من تسع عيّنات التي حلّلها المختبر البريطاني جاءت نتيجتها على الشكل الآتي: 8 عيّنات تابعة للنسخة البريطانية من الفيروس، وهي تحتوي أيضاً على تحورات إضافية. فيما العيّنة الأخيرة تابعة لـ«نسخة تشيكية» من الفيروس ظهرت في أوروبا ويطلق على تحوّرها اسم «B.1.258Δ».
عبد الساتر لفت الى دراسة بحثية مشتركة للفريق اللبناني بالتعاون مع جامعة أوكسفورد و«منظمة الصحة العامة في إنكلترا». وأوضح أن الأخيرة أعربت عن «اهتمام وقلق كبيرين من وجود النسخة المتحوّرة الأوروبية «B.1.258Δ» من كورونا في لبنان، بالإضافة الى النسخة البريطانية».
النسخة التشيكية تحمل شحنة فيروسية أعلى، ما يتطلّب عناية أكبر وأطول في المستشفيات
وأوضح أن متغيّر «B.1.258Δ» الجديد لديه تحوّر في الجين «S» في نتوءات كورونا هو «N439K». وبحسب ورقة بحثية منشورة في مجلة «Cell» العلمية، فإن لدى هذه النسخة قدرة أكبر على الالتحام بمستقبلات «ACE2» الموجودة على سطح الخلية البشرية (أي أن هذه النسخة تدخل الخلية بشكل أفضل). كما أن لها قدرة على مقاومة المناعة المكتسبة ضد كورونا، ما يطرح سؤالاً كبيراً لناحية فعاليّة اللقاحات الحالية. كما يثير ذلك مخاوف من احتمال إعادة إصابة أفراد شفوا من الفيروس. وأشار عبد الساتر الى أن المعطيات حول نسخة «B.1.258Δ»، حتى الساعة، تفيد بأنها «قادرة على رفع نسبة الشحنة أو الحمل الفيروسي داخل أجساد المصابين بشكل كبير، ما يتطلب اهتماماً وجهداً أكبر للعناية بهؤلاء داخل المستشفيات»، في بلد تداعى نظامه الصحي تحت وطأة الفيروس. وخلص الباحث اللبناني الى أن «الوضع مقلق جداً»، وأن «الحل الوحيد حالياً هو في تلقيح أكبر عدد ممكن من المقيمين». وشدّد على أهمية متابعة رصد نسبة الإصابة بمختلف النسخات المتحورة من الفيروس، «لما لها من تبعات قاسية في حال كانت موجودة بشكل أكبر، واتخاذ إجراءات مناسبة وفورية مثل إغلاق مناطق معينة بشكل كامل لمنع انتشارها».
وفي ضوء هذه المعطيات، أعلمت وزارة الصحة عبد الساتر بأنها سترسل هذه البيانات الى اللجنة العلمية في الوزارة للتقييم ودرس الإجراءات التي يتحتّم اتخاذها.