نقلا عن صحيفة الأخبار - راجانا حمية
في الحادي والعشرين من الجاري، يكمل فيروس كورونا عامه الأول في لبنان. خلال تلك الفترة، مرت البلاد بـ«ذروات» دفعت السلطة الى اتخاذ قرارات للمواجهة، منها قرارات الإقفال العام التي أقرّتها اللجنة الوزارية لمكافحة كورونا ثلاث مرات والإقفالات «الموضعية» للبلدات التي كانت تشهد ارتفاعاً في أعداد الإصابات على مدى ثمانية أسابيع. وترافقت هذه القرارات مع جملة إجراءات أرادتها السلطات رادعة، لعل أهمها تقرير محاضر الضبط بحق المخالفين. تحت هذا العنوان، سطّرت القوى الأمنية والبلديات محاضر ضبطٍ وصلت مع الإقفال الأخير في كانون الثاني الماضي إلى ما يزيد على 150 ألف محضرٍ. منها ما كان يفرض على المخالف إما دفعه مباشرة لدى مفارز السير أو عبر خدمة ليبان بوست، فيما عدد آخر كانت وجهته القضاء، وهي في الغالب المحاضر التي تنتظر تحديد عقوبتها من القاضي المولج بذلك.
منذ الإقفال الأول، وحتى آخر إقفال، كانت محاضر الضبط تسطّر «متل الشتي». هذا ما يقوله رئيس بلدية الغبيري معن الخليل، متحدثاً عن مئات المحاضر التي سجلتها البلدية وحدها في الفترة الأخيرة، وأرسلتها إلى محافظة جبل لبنان، تمهيداً لإرسالها إلى القضاء. وكذا، كانت تفعل بلديات أخرى بعد قرار وزارة الداخلية بإشراكها في «حملة» تسطير المحاضر. وعلى الضفة الأخرى، كان عناصر قوى الأمن الداخلي «يشتغلون»، فيما كانت شعبة العلاقات العام تتكفل بوضع «الجردة» التي تكاد تكون شبه يومية.
في آخر إقفال، أحصت الشعبة 20699 محضراً خلال ثلاثة أسابيع (من 14 كانون الثاني الماضي حتى الثالث من الجاري). وهو رقم لا يغطي الفترة التي استغرقها الإقفال، والتي قالت بعض المصادر إن عدد المحاضر خلالها تخطى الثلاثين ألفاً. وفي هذا الإطار، وبحسب ما تورده شعبة العلاقات العامة عبر صفحتها الرسمية على موقع «تويتر»، فإن عدد المحاضر المحرّرة بحق المخالفين لإجراءات منع التجوال، كما إجراءات الوقاية من الفيروس، لامس الـ 160 ألفاً، أحيل منها ما يقرب من 30 ألفاً إلى القضاء، وإليها يضاف العدد المحال أيضاً من البلديات والذي لا رقم نهائياً لها.
آلاف المحاضر «على مدّ العين والنظر»، بقيت مجرد حبرٍ على ورق، وخصوصاً أن معظم المواطنين لم يدفعوها. هكذا، كانت المحاضر تسطّر... إلى الأدراج، وكذلك الحال بالنسبة إلى تلك التي ذهبت إلى القضاء، فقد بقيت هي الأخرى مجرد ورقة بلا قيمة، إذ لم يبتّ القضاة المولجون بذلك إلا في ما ندر، و«تحديداً أصحاب السيارات العمومية أو الفانات، وخصوصاً إن كانت آلياتهم محتجزة، وعندها يقوم القاضي بتسوية المحضر»، على ما يقول أحد الكتّاب في قصر العدل في بيروت. وغالباً ما تكون التسوية «بتخفيض قيمة المحضر». أما ما عدا ذلك، يمتنع قضاة محاكم السير عن النظر في تلك المحاضر، «ولا يعقدون الجلسات الخاصة بتلك المخالفات لتخفيف الازدحام»، على ما يضيف.
لكل تلك الأسباب، لم تحقق تلك المحاضر الغرض الذي من أجله سطّرت: الردع. ففي وقت كان فيه عنوان مراحل الإقفال ردع المواطنين من حدّة انتشار الفيروس، إلا أن طريقة التعاطي مع موضوع المحاضر كانت كفيلة بإحداث العكس، إذ كان كل إقفال يجرجر معه عدداً أكبر من المحاضر عن الإقفال الذي سبقه. أما السبب؟ فهو أن «المحاضر السابقة لم تردع أحداً، بدليل أنها لم تبتّ»، يضيف الكاتب في عدلية بيروت. فأين الردع في ذلك؟ المسؤولية هنا لا تقع على المواطنين الذين يتمادون بالمخالفة، وإنما على الدولة التي تتمادى في إهمالها. فكيف يعقل أن يكون الردع بعد عامٍ كاملٍ؟ يجيب الخليل متهكّماً «بدكن المخالف يتذكّر على شو كان المحضر»!