محمد كسرواني - خاص كورونا نيوز
من خلال مراجعة بسيطة لعداد فيروس كورونا (كوفيد-19) في لبنان، نجد أن سلسلة أحداث حصلت غيّرت المسار الطبيعي للرقم التراكمي. فمع بَداية الوباء نهاية العام 2019 وحتى الفصل الأول من العام 2020، شهد لبنان تصدياً مثالياً للوباء، أشادت دول ومنظّمات عالمية به، فماذا تغيّر؟ وكيف أضحى لبنان من أسوأ الدول محاربةً للجائحة؟
مع بَداية الجائحة ارتفع منسوب الشعور بالخطر عند جميع اللبنانيين، ومعه ارتفعت الإجراءات الوقائية. بعد مدّة بدأ اللبنانيون يشعرون بالملل، استهتروا بالإجراءات الوقائية، وحوّلوا الإقامة في المنازل إلى اجتماعات عائلية (خاصةً في القرى خلال فترة الأعياد).
عندها ارتفع العدد التّراكمي للإصابات سريعاً إلّا أنّه بقي تحت السيطرة. تمكّنت وزارة الصحّة والفرق الصحية في لبنان من تتبّع الحالات وإيقاف حركة الوباء ونقل العدوى. تدريجياً بدأ الأمر يصعب والحالات تتزايد لكن الأرقام كانت نسبياً جيدة تحديداً لقياس عدد الوفيات والحالات الحرجة .. حتى انفجار المرفأ في 4 آب 2020.
اعتبر انفجار المرفأ المحطة الأولى الكبرى لتغيّر سلّم الأعداد. مخالطةً جماعيةً وفوضى بالمستشفيات، تجاهل للإجراءات الوقائية، إصابات ووفيّات ومراسم دفن ومعها رفع للأنقاض والرّدم. كلّها - وإن كان هدفها إنساني - ساعدت بإنتشار الوباء سريعاً وارتفعت أعداد الإصابات.
من حينها وحتى اليوم يكافح لبنان الأرقام بإغلاق للبلد، تارةً كلي وآخر جزئي. ومن حينها أيضاً كان الإختلاط الجماعي في الشارع يشلّ كلّ حركة أو تقدّم لمكافحة الوباء.
فمع عودة حركة التّظاهر مجدّداً للمطالبة بإستقالة الحكومة (حكومة الرئيس حسان دياب)، أو التّظاهر السياسي للإسراع بتشكيل الحكومة (حكومة الرئيس المكلّف سعد الحريري)، أو اعتراضاً على ارتفاع سعر صرف الدولار، كان الشارع يشهد حركة فوضى جماعية لا تُراعي إجراءات الوقاية من كورونا.
الإحتجاج يبدأ هادئاً عند كلّ إقفال طرق وإحراق للدواليب. سريعاً ينتقل إلى حالة الفوضى تتطوّر لتكسير جماعي للممتلكات العامة خاصةً إذا حصل كرّ وفرّ مع القوى الأمنية. في ظلّ تلك الفوضى لا كمامات ولا تباعد حاصل قادر على حجب انتقال العدوى لا سيما مع تفشي السلالات المتحوّرة في لبنان.
منذ أيام عاد المشهد للشارع مجدداً، قطع للطرق وتعدّي على الأملاك العامة. فعلياً لا جهات منظّمة تدعو للتظاهر أو تنظم حركة الإحتجاج والأمر متروك لفوضى المتظاهرين وقطّاع الطرق. مع غياب إجراءات الوقاية من المحتّم أن تشهد الأيام المقبلة ارتفاعاً في أعداد الإصابات، وهذه المرة خارج نطاق العائلات.
ففي الإحتجاجات يجتمع غالباً من لا يجمعهم معرفة أو قرابة، يعني أنّ الفيروس سيتغلغل في عائلات جديدة حاصداً أرقام متزايدة سريعاً. عندها سيطرح حكماً في لبنان عودة للإقفال العام وإغلاق لكلّ المرافق التي لا يزال بعضها مقفلاً حتى اليوم.
فمن سيتحمْل هذه المسؤولية؟ وهل فعلاً سيقتصر قطع الطرقات على نتائج مباشرة من إيقاف حركة السير وتصعيب مهمّة وصول الأدوية والأوكسيجين والمصابين إلى مستشفيات؟
الجواب حكماً لا، فبغضّ النّظر عن مشروعية التظاهر أو دوره في حلحلة الأزمة، السؤال الصحي اليوم، أيهما أولى التظاهر وقطع الطرق لتحريك الملفات السياسية أو النّظر "أبعد من الأنف" إلى الوضع الصحي في بلد يكافح كورونا باللّحم الحيّ!