حسين كوراني
لم تترك "إسرائيل" سلاحًا محرّمًا دوليًا إلا واستخدمته، غير آبهة بما ينتج عنه من أضرار تفتك بالبشر والحجر والشجر، وغير مكترثة بالقوانين والأعراف الدولية التي تحرّم هذه الأنواع من الأسلحة المدمّرة التي تقضي على كل مقومات الحياة. وهذا ما حصل بالفعل، فقد أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي في حربها على لبنان وغزة منذ تشرين الأول الماضي مئات؛ بل آلاف القذائف الفسفورية المحرّمة دوليًا، والتي فتكت بالبيئة والمواطنيين.
* ما هو الفوسفور الأبيض؟
الفوسفور الأبيض هو مادة كيميائية سامة شمعية تتفاعل مع الأوكسيجين بسرعة، وهي تدخل في صناعة قذائف المدفعية والقنابل والصواريخ، وينتج عن هذا التفاعل حرارة شديدة تصل إلى 815 درجة مئوية، وضوءًا ودخانًا كثيفًا تنبعث منه رائحة الثوم القوية.
* لماذا يُستخدم؟
يُستخدم الفوسفور الأبيض عادة للتعتيم على العمليات العسكرية، في ميدان المعركة، حيث ينتج عنه ستارة من الدخان ليلاً أو في أثناء النهار لإخفاء الحركة البصرية للقوات العسكرية، خوفًا من تعرضها لإطلاق النار وخاصة من الصواريخ الموجّهة. ويمكن استخدامه، أيضًا، كسلاح حارق للمناطق الحرجية، ولكن "إسرائيل" تستخدمه لقصف القرى والمدن في قطاع غزة وجنوب لبنان من أجل تهجير الأهالي وقتلهم.
* أضراره على الإنسان
يتسبّب الفوسفور الأبيض بحروق من الدرجة الثانية والثالثة، كما أنها تدخل الجلد بسهولة وتؤدي إلى أضرار في القلب والكلى والكبد، والتي قد تؤدي إلى الوفاة. ولا تنتهي أضراره هنا، فهو يؤذي القصبة الهوائية والرئتين بحال استنشاقه، ولو لمدة قصيرة. كما يؤذي الحياة في الطبيعة، حيث يترسّب في التربة أو في أعماق الأنهار والبحار وعلى الكائنات البحرية مثل الأسماك؛ فتتحلل أكاسيد الفوسفور في الرطوبة إلى أحماض الفوسفوريك. وقد يتأخر ظهور التأثيرات لمدة تصل إلى 24 ساعة بعد التعرُّض لاستنشاقه أو ترسّبه.
اضطرابات القلب
في حالات التعرض الشديدة، يمكن أن تشمل التأثيرات المتأخرة اضطرابات القلب والأوعية والانهيار القلبي الوعائي، بالإضافة إلى تلف الكلى والكبد وانخفاض مستوى الوعي والغيبوبة. وقد تحدث الوفاة بسبب الصدمة أو الفشل الكبدي أو الكُلوي أو تلف الجهاز العصبي المركزي أو عضلة القلب، وذلك وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.
حروق الجلد
قد يسبّب التعرُض للفوسفور الأبيض حروقًا شديدة من الدرجة الثانية والثالثة، وتكون مؤلمة للغاية وتنتج عن مزيج من الإصابات الحرارية والكيميائية. وقد تبدو المناطق المصابة من الجلد المكشوف باللون الأصفر. والفوسفور الأبيض قابل للذوبان بدرجة عالية في الدهون. وبالتالي، قد يخترق الأنسجة التحتية ما يؤدي إلى حروق عميقة بطيئة الالتئام، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. وقد تبدأ جزيئات الفوسفور الأبيض التي اخترقت الجلد بالاحتراق عند فتح الجرح وتعريضه للهواء. ويمكن رؤية الدخان الأبيض الناتج عن حرق الفوسفور ينبعث من الجروح.
العين
قد تسبب جزيئات الفوسفور الأبيض حروقًا وانثقابًا في القرنية. وقد يسبب التعرض للدخان الناتج عن حرق الفوسفور إلى: تهيج العينين، تشنج الجفن، رهاب الضوء، التدمع والتهاب الملتحمة.
التنفس
قد يتسبب الدخان الناتج عن حرق الفوسفور في تهيج الجهاز التنفسي العلوي والسعال والصداع، وتأخر ظهور الوذمة الرئوية. ويُلازم غالبًا أولئك الذين ينجون من إصاباتهم الأوّلية معاناةً مدى الحياة، إذ تعيق التقلصات حركة العضلات، فضلًا عن العلاجات المؤلمة والندوب المتغيّرة التي تظهر على الجسم وتؤدي إلى ضرر نفسي. كما يمكن للحرائق الناجمة عن الفوسفور الأبيض أن تدمّر المباني والممتلكات المدنية، وتلحق الضرر بالمحاصيل وتقتل الماشية.
* إجراءات وقاية
نشرت منظمة "ماغ" بعض النصائح لأبناء القرى الحدودية الصامدين في قراهم، منها أنه عند التعرض للدخان مباشرة؛ يجب الابتعاد قدر الإمكان عن المكان والتوجه بعكس اتجاه الريح إلى منطقة آمنة، مع وضع قطعة قماش مبللة على الأنف والفم للتنفس. وعند الوصول إلى مكان آمن خارج المنطقة المستهدفة؛ يجب خلع الملابس ورمي الكمامات المستخدمة وغسل الجسم بالماء، كما أنه عند التعرض للفوفسفور مباشرة، يجب العمل على إزالة قطعه العالقة على الجلد، وغسل مكان الإصابة بالماء على مدى متواصل من الوقت الطويل.
الإسعافات عند تعرض العين للفوسفور
1. أخرج الضحية على الفور من مكان التعرض.
2. اغسل العيون على الفور بكميات كبيرة من الماء البارد لمدة 15 دقيقة على الأقل.
3. حافظ على العيون المكشوفة مغطاة بكمادات مبللة لمنع جزيئات الفوسفور الأبيض من "الاشتعال مرة أخرى" (re-igniting).
4. تجنّب استخدام المراهم الدهنية أو الزيتية التي قد تزيد من امتصاص الفوسفور الأبيض.
5. ضع في حسبانك وضع "حماية للعين" (eye cage)؛ لمنع الضغط المباشر على مقلة العين.
الإسعافات عند استنشاق الفوسفور
1. أخرج الضحية على الفور من مكان التعرض.
2. قيّمْ وظيفة الجهاز التنفسي والنبض.
3. تأكد من أن الضحية لديه مجرى هوائي غير مسدود.
4. إذا حدث ضيق في التنفس أو كان التنفس صعبًا (ضيق التنفس)، قم بإعطاء الأوكسجين.
5. إذا توقف التنفس (انقطاع النفس)، وفّر التنفس الاصطناعي.
6. راقب الضحية بحثًا عن علامات على تأثيرات الجسم بالكامل، وقم بإدارة علاج الأعراض بحسب الضرورة.
الإسعافات عند تعرض الجلد
1. أخرج الضحية على الفور من مكان التعرض.
2. اغمر مناطق الجلد المصاب بالماء البارد أو غطّيها بضمادات مبللة في جميع الأوقات.
3. الغسل القوي بالماء البارد هو أفضل طريقة لإزالة الفوسفور الأبيض الموجود في الجلد.
4. أزل الجزيئات المرئية من الفوسفور الأبيض في أثناء الغسيل بكميات كبيرة من الماء البارد أو في أثناء غمر المنطقة بالماء البارد.
5. يُعدّ استخدام الماء البارد أمرًا بالغ الأهمية، ولكن يجب أيضًا توخي الحذر لحماية الضحية من انخفاض درجة حرارة الجسم.
6. تجنّب استخدام المراهم الدهنية أو الزيتية التي قد تزيد من امتصاص الفوسفور الأبيض.
7. راقب الضحية بحثًا عن علامات على آثار على الجسم بالكامل.
8. في جميع الحالات يجب أن تطلب العناية الطبية على الفور.
* أضراره على البيئة
كذلك يمكن للحرائق الناجمة عن الفوسفور الأبيض أن تدمر المنشآت والممتلكات المدنيّة، وتلحق الضرر بالمحاصيل الزراعية، وتقتل الماشية. فالقذائف الفسفورية التي تطلقها القوات الإسرائيلية على قرى لبنان الحدودية باتت كبيرة وخطيرة، إذ وقع ما يزيد عن مئات الحرائق. وبحسب وزير البيئة ناصر ياسين، حرقت قذائف العدو وأسلحته الفوسفورية آلاف الدونمات في البلدات الحدوديّة حتّى اليوم. وبحسب وزير الزراعة عباس الحاج حسن، فإن ما أحرقته "إسرائيل" من أشجار زيتون في الجنوب يصل الى عشرات الآلاف، منها أشجار معمرة، بالإضافة إلى الأنواع الحرجية الأخرى من بينها الخرنوب والصنوبر.
كما أشار ياسين الى أن ما: "عاناه اللبنانيون، بعد حرب تموز 2006، من تداعيات للمواد السامة المستخدمة لمّا ينته بعد، فلم يسلم البشر من أمراض السرطان المنتشرة بكثرة. كما أن الإستخدام المتواصل لقوات الاحتلال لهذه القنابل يؤدي إلى تدمير الموائل الطبيعية في تلك المواقع وقتل أو إصابة الأنواع المختلفة بما في ذلك الثدييات والطيور والحشرات التي تضمها، كما يؤدي إلى فقدانها لملاذاتها، ومن شأنه تلويث مصادر المياه وتهديد النظم البيئية المائية للأحواض والأنهر والجداول وبشكل أكثر خطورة نظام الأراضي الرطبة، ما يؤدي إلى تدهورها أو نفوق الأنواع المائية من أسماك وطيور وحشرات والبرمائيات، إضافة إلى تلويث التربة ما يجعلها غير صالحة للزراعة لمدة قد تطول".
الفوسفور الأبيض محرم دوليًا
يحرّم القانون الدولي وفقًا لاتفاقية جنيف لعام 1980 استخدام الفوسفور الأبيض ضد السكان المدنيين أو حتى ضد الأعداء في المناطق التي يقطنها مدنيون. وتعدّ استخدامه جريمة حرب، إلا أن ذلك لا يردع الإسرائيليين عن استخدامه. وفي السياق؛ أشارت "منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في عدد من التقارير نشرت سابقًا، إلى "استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي للقنابل الفسفورية من دون أن يدفع ذلك المنظمات الدولية إلى إتخاذ أي موقف أو إجراء فعال لوقف هذه الانتهاكات".