منذ تأسيسها في أيار 1948 حافظت "إسرائيل" على هيبة الردع لديها، إذ بات بمفهوم أية دولة في المنطقة أنها إذا تعرّضت لهجوم من الأخيرة، من الصعب عليها أن تتجرّأ على الرّد بالمثل، وهذه القناعة رُسِّخت بعد حرب أكتوبر 1973 التي خاضها العرب مع الكيان الصهيوني. لكن ما لم يكن بالحسبان يومًا بعد هذه العقود التي مرّت على هذا الكيان الغاصب أن تتعرض قواعده العسكرية على أراضي فلسطين المحتلة لضربات إيرانية بالصواريخ البالتسية، ما اجهض كل احلامه في تغيير قواعد اللعبة وتوازنات القوة في المنطقة، واعاده الى حجمه الطبيعي وعمّق أزمته الوجودية.
وبعد حالة الإحباط التي عاشتها شعوب المنطقة بعد العدوان الثلاثي على مصرعام 1956 في عدم قدرة أنظمتها على الوقوف في وجه أعتى قوة غربية في الشرق الأوسط والمتمثلة بـ"إسرائيل"، أعاد رد إيران بعد استهداف قنصليتها في سوريا، وقبله رد الحوثيين في اليمن (دعمًا لأهل غزة)، "إسرائيل" الى موقعها ككيان مؤقت آيل للزوال الأبدي، وأضاف زخمًا لصمود المقاومة الفلسطينية في معركة "طوفان الاقصى"، ولصمود مواطني غزة.
وأيضًا، العديد من الشعوب العربية والإسلامية رأت في الرد الإيراني ظاهرة تحول جديدة أعادت إليها ثقتها بنفسها، في أنها تستطيع أن تقف بوجه جرائم "إسرائيل"، وترد لها الصاع صاعين، وبدأت تفكر وتتجه نحو اجتثاث مشروعات التسوية سيئة الصيت، وتقتلع حالة الرضوخ والخنوع التي تتميز بها انظمتها التي خانت القضية الفلسطينية، وهادنت العدو الصهيوني واعترفت بكيانه، وسارت على عكس اهداف الأمة ووقعت معه على اتفاقيات التطبيع المذلة.
على المقلب الآخر، عمّق الرد الإيراني التأثيرات النفسية للمستوطنين الصهانية وزرع في نفوسهم الخوف والقلق، واقنعهم أن جيش الاحتلال ليس كما يوحى لهم على أنه "الجيش الذي لا يقهر". كما هشّم الخطوط الحمر وخلق قواعد إشتباك جديدة بعد أن كان جيش العدو يتمادى في هجماته على القوات السورية والمتشاريين الإيرانيين في سوريا، فيما كانت طهران تنتهج الصّبر الإستراتيجي.
وهنا لا بُدّ من التساؤل، أنه لماذا حافظت "إسرائيل" طوال هذه السنوات على قدرتها الهجومية وتطاولت على المقدسات والعديد من الدول في المنطقة، ولم تتلقَ أي رد منها، علمًا أن هناك دولاً عربية وإسلامية لا تقل أهمية عن إيران في قدراتها العسكرية ومكانتها الدولية والإسلامية. وعليه جاء الرد الإيراني ليثبت أن الزمن الذي كانت تتطاول فيه "إسرائيل" على كرامات الشعوب الإسلامية قد ولى، وبنى لمرحلة جديدة من المواجهة معها، علّها تدرس خيارتها جيدًا قبل أن تقدم على أية حماقة تجرّها الى حرب طاحنة تهدد وجودها.