خاص الموقع
تتنوّع أضرار العدوان الإسرائيلي المتواصل على القُرى الجنوبية عمومًا والحدودية خصوصًا. هذا بالإضافة إلى تدمير المنازل السكنية والمنشآت الخدماتية، لقي مئات المزارعين الجنوبيين خسائر في ثرواتهم الزراعية أو الحيوانية. معظم المزارعين الذين نُزحوا قسرًا من قُراهم فقدوا مواسمًا مهمة، كانوا يعتاشون منها منذ التحرير في العام 2000.
بعض هؤلاء عادوا قبل مدّة إلى أراضيهم لزراعتها، أملًا في أن تنتهي الحرب ويجدوا موسمًا يمكن الإفادة منه. لكن طول العدوان والتهديد الإسرائيلي المتواصل، بالإضافة إلى قصف الأراضي الزراعية بمادة الفسفور المحرمة دوليًا، وحرق الأحراش عمدًا، يزيد من العوائق ويجعل المهمة أكثر صعوبة.
يتحدث مدير مديرية مؤسسة جهاد البناء في الجنوب الأولى المهندس سليم مراد، عن أوضاع المزارعين وما قدمته المؤسسة، وكيف تحدّى بعضهم العدوان وعاد إلى قريته رغم خطر التهديد لزراعة الأراضي. يقول مراد إن معظم مزارعي القُرى الحدودية، مثل عيترون وعيتا وبليدا وحولا ورامية ومروحين والظهيرة، يزرعون التبغ. وبالتعاون مع المؤسسة، جرى قبل أشهر تجهيز شتول من التبغ في المشاتل، مثل إجراء احترازي للإفادة منه عند وقف إطلاق النار وعودة المزارعين إلى قراهم. إلا أن هؤلاء المزارعين لم ينتظروا وقف الاعتداءات، حيث عمد بعض مزارعي التبغ لزراعتها في حقول خارج نطاق الاستهداف المباشر، مثل قرى معروب وصريفا.
يُشير مراد إلى أن آخرين عادوا متحدّين العدوان إلى قراهم وزرعوا حقولهم، أملًا في أن ينتهي العدوان قبل موسم الحصاد في شهر تموز. ويوضح أن هناك بعض المزارعين زرعوا حقولًا بالتبغ في قراهم الحدودية لكن بعيدًا عن ما يسمّى "الخط الأزرق"، أو ضمن حدائق منازلهم. ويؤكد مراد إن الإرادة الصلبة لهؤلاء تثبت تعلقهم بالأرض وصمودهم أمام العدوان، مثبتين أن الخطر الإسرائيلي لا يثنيهم عن عملهم، وأن عودتهم إلى منازلهم وقراهم مسألة وقت لا أكثر.
الضرر لحق أيضًا بمزارعي الحبوب وأصحاب كروم الزيتون. فمعظمهم لم يستطع زراعة أرضه نتيجة العدوان، فيما يأمل أصحاب كروم الزيتون أن يعودوا إلى أراضيهم لحواش الموسم قبل نهاية العام، بعدما حُرموا منه العام الماضي مع بداية العدوان. كما لا ينسى مزارعو الزيتون كيف حاول العدو مرارًا استهدافهم وإخافتهم، في العام الماضي خلال قطاف الموسم، مع أن عملهم كان واضحًا لطائرات التجسس المعادية. ومع ذلك، يصر مزارعو المواسم السنوية على قطفها.
مزارعو المواشي هم الأكثر تضررًا في العدوان الإسرائيلي المتواصل على لبنان. فمن لم يستطع تأمين مزرعة لإبقاء مواشيه وغنمه باعها بأسعار زهيدة، كما يقول مراد. ويضيف أن خسائر هؤلاء كبيرة نتيجة عدم قدرة بعضهم استعادة ما باعوه، فيما نجح معظم مزارعي النحل في إخراجها من دائرة الاستهداف المباشر بالرغم من خسارة بعض التجهيزات الأساسية أو القِفَار. كذلك تضرر أصحاب معامل الألبان والأجبان وأصحاب المعدات الزراعية الذين توقف عملهم مع توقف الزراعة نتيجة الخسائر الزراعية.
يتحدث مراد عن دور مديرية مؤسسة جهاد البناء، في الجنوب الأولى في تعويض المزارعين وتأمين المواسم المقبلة، فيشير إلى أن المؤسسة أسهمت بتدخل سريع مع بداية التهجير القسري بتوزيع الأعلاف على المزارعين والقيام بجولات بيطرية حيث تقتضي الحاجة؛ وبينما يطمئن المزارعون أن المؤسسة جهزت خططًا لتوزيع الشتول والحبوب للزراعة حال انتهاء الحرب، يؤكد مراد أن المؤسسة مستمرة في المتابعة مع الجهات المعنية لتأمين التعويضات.
يحيي مراد المزارعين الجنوبيين على صمودهم وتحمّلهم أعباء الحرب بالرغم من كل الظروف الاقتصادية الصعبة. وينوه بتحديهم للعدوان في عودة بعضهم إلى أراضيهم لزراعتها. ويثني على جهود الآخرين في زراعة أراض خارج دائرة الاستهداف المباشر. وإذ يعد بوقوف المؤسسة إلى جانب مزارعي التبغ والحبوب والمواشي والنحل في تقديم المساعدة والخبرة بعد الحرب، يؤكد أنهم أصحاب الأرض وأن عودتهم لأراضيهم وخيراتهم أمر قطعي، مثلما حصل بعد التحرير في العام 2000 وعدوان تموز 2006، حين لم يتركوا أرضهم ولن يتركوها مهما كان التهديد الإسرائيلي.