إيهاب شوقي
في مسلسل الضبابية المحيطة بمشهد وباء عالمي طال وقته واحتدّت تأثيراته، لا سيما على الشعوب الفقيرة والمهمشين، يزاد المشهد غموضاً مع الجدل المُثار حول اللقاحات، وعدالة توزيعها، ومؤخراً أعراضها الجانبية الخطيرة، مثل ما أثير حول لقاح آسترازينيكا وتسبّبه في جلطات دموية، ممّا حدا ببعض البلدان لإيقاف استخدامه والعدول عن استيراده.
المثير في الأمر، أنّ من انبرى للدّفاع عن اللقاح، قدّم بعض مبرّرات قد لا تكون مطمئنة للناس، حيث كان فحواها أنّ الضّرر لم يثبت ارتباطه باللقاح بشكلٍ مؤكّد، وأنّ الظّرف الوبائي ضاغط وبالتالي، فإنّ تعاطي اللّقاح أولى من تركه رغم احتمالات ثبوت الارتباط بينه وبين الضّرر فيما بعد!
وبالطبع هذا التبرير قد يكون مقنعاً لبعض الفئات، بينما يشكّل هواجس كبيرة لدى فئات أخرى، ولا يستبعد أن يخدم نظريات المؤامرة المحيطة باللقاحات والتي أدّت إلى عزوف بعض القطاعات الشعبية عن اللقاح وانتظار وصوله.
الشاهد هنا، وما نودّ رصده، هو مناخ عدم الثّقة الذي تولّد وينمو يوماً بعد يوم، حيث افتقدت فئات شعبية كبيرة في مختلف دول العالم الثقة بمعاهد الأبحاث وشركات الأدوية، بل وبالمنظّمات الكبرى وعلى رأسها منظّمة الصحة العالمية.
كما أن التنافس السياسي والاقتصادي، قد لعب دوراً في تشويه اللقاحات، فهناك شركات كبرى متعدّدة الجنسيات للأدوية تتنافس على إنتاج اللقاحات وبيعها، من جهة، ومن جهة أخرى هناك دول غربية تشوّه اللقاحات الصينية والروسية لأسباب سياسية غير خافية.
ولعلّه من المناسب، إلقاء بعض الضّوء على لقاح آسترازينيكا المثير للجدل وتطوّر إنتاجه، فقد يوضح ما نودّ إبرازه:
آسترازينيكا هي شركة بريطانية سويدية متعدّدة الجنسيات يقع مقرّها الرئيسي في كامبريدج في إنجلترا، وهي شركة متخصّصة في صناعة الأدوية والمستحضرات الصيدلانية الحيوية، وتقوم بصناعة عدد من المنتجات الدوائية لعلاج معظم الأمراض الرئيسية المنتشرة حول العالم.
ولقاح أكسفورد–آسترازينيكا أو أي زد دي 1222، والذي ويُشار إليه إعلاميًا باسم "لقاح آسترازينيكا" أو لقاح أكسفورد، هو لقاح ضدّ مرض فيروس كورونا، تعمل جامعة أكسفورد مع شركة آسترازينيكا البريطانية-السويدية، على تطويره وإنتاجه، وهو مخصّص للإعطاء عن طريق الحقن العضلي
وفي فبراير 2020، وافق معهد إدوارد جينر لأبحاث اللقاحات على التّعاون مع شركة أدفينت إس آر آي الإيطالية لإنتاج أول دفعة من اللقاح المرشّح للتطبيق في التجارب السريرية.
وفي مارس 2020، شجعت حكومة المملكة المتحدة جامعة أكسفورد على العمل مع شركة آسترازينيكا بدلًا من شركة ميرك الأمريكية تخوّفًا من احتكار إدارة ترامب للقاح.
ومؤخّراً، قرّرت بعض البلدان تعليق استخدام لقاح أكسفورد- أسترازينيكا عقب انتشار تقارير عن تعرّض بعض الناس الذين حصلوا عليه لجلطات.
واتضح من البيانات التي قدمتها أسترازينيكا أنّه كانت هناك 37 حالة حدوث تجلط في الدم بين 17 مليون شخص تلقوا اللقاح.
وقالت هيئة ترخيص الأدوية في المملكة المتحدة ومنظمة الصحة العالمية إنّه لا دليل على وجود صلة بين الأمرين.
واقترحت وكالة الأدوية الأوروبية، التي تفحص التقارير، الإستمرار في إعطاء اللقاح بالنّظر إلى الخطر الذي يشكّله انتشار الفيروس على الصحة.
وتفيد التقارير، بأنّها ليست المرة الأولى التي تعاملت فيها بلدان في أوروبا بحذر مع لقاح أسترازينيكا، فقد تبنّت ألمانيا وفرنسا ودول أخرى موقفاً حذراً في التّعامل مع اللقاح المذكور حين أوصت بعدم استخدامه مع الأشخاص الذين يتجاوز سنهم الخامسة والستين.
وذهب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى حدّ القول بأنّ اللقاح غير فعّال تقريباً.
وستفقد ألمانيا وفرنسا كميات من اللقاح، حيث استخدم البلدان أقلّ من نصف لقاحات أسترازينيكا المتوفّرة لديها وأصبحا يعتمدان بشكلٍ أكبر على لقاح فايزر، ومؤخراً تعاقد الاتحاد الأوربي على شراء ملايين الجرعات من لقاح مودرنا.
والمعلوم أنّ فايزر هي شركة أدوية أمريكيَّة متعّدّدة الجنسيات، وكذلك شركة مودرنا أمريكية!
وهنا يبرز سؤال وجيه، هل هناك تسييس للقاحات، بحيث يرتبط التّقارب الأمريكي الأوروبي الأخير في عهد بايدن باللقاحات الأمريكية، على حساب اللقاح البريطاني؟
وهل اللقاحات الروسية والصينية بالفعل غير آمنة، أم أنّ التقييم لها أيضاً سياسي؟
وهل الشعوب التي عانت من الوباء والقصور الحكومي في كافّة البلدان عن استيعاب الجائحة، أصبحت مطية للتّقارير العلمية، لتزداد آلامها بألمٍ جديد مفاده عدم الثّقة في اللقاحات التي شكّلت لها ضوءًا في نهاية النّفق؟
يبدو أنّنا أمام جرائم أخلاقية تطال هذه المرّة مؤسّسات العلم والطّب، والتي يفترض أن تكون بمنأى عن الصّراعات السياسيّة.