(إيهاب شوقي \ كورونا نيوز)
يتحوّل وباء كوفيد-19 بشكل تدريجي في منطقتِنا العربية إلى خانة القضاء والقدر الحتمي رغم كونه وباء يخضع لنسق فلسفي وعلمي آخر، وهو وجوب الوقاية والاحتراز.
وبالطّبع لو ناقشنا القضية من جانب ديني فسنفرغ في النّهاية لكونه قدراً قد لا يمنع تحقّقه الحذَر، ولكنّنا حتّى بهذا النّقاش الديني، فنحن هنا بِصدد تصنيفِه في قائمة الأوبئة كالطّاعون وسائر الأمراض المُعدية التي أمر الدّين بتجنّبها والفِرار من أسباب انتقال عدواها.
ما نودّ قوله هنا، هو رصد تحوّل الوباء في أذهان شعوبنا وممارساتها إلى هذا الشّكل القدري الخاضع لتُصيب كلّ شخص ، بمعنى أنّه تحوّل إلى قائمة الحوادث والكوارث الطبيعية التي لا قبل لتجنّبها.
فالملاحظ لسلوكيات القطاعات الأكبر من الشعوب، يجد أنّها تتصرّف بشكلٍ متجاهل للإجراءات الاحترازية، ولسان حالها يقول أنّ الحذَر لا يمنع قدر وأنّه لو قدّر للشّخص أن يُصاب فسيُصاب رغم توقّيه للعدوى، ولو قدّر له أن ينجو فسينجو رغم مخالطته للمصابين.
هذا هو التّفسير الوحيد المقبول لما نرصده، وهنا يتطلّب الأمر وقفة تأمّلية للإجابة عن سؤال يفرض نفسه، وهو، لماذا تحوّلت جائحة يجب، بل ويمكن تجنّبها إلى كارثة طبيعية قدَرية لا يمكن توقّعها أو الاحتياطي منها أو تلافيها في ذهنية ووجدان كلّ هذه القطاعات في بلادنا؟!
تبدو الإجابة مرتبِطة بالحلول أكثر من ارتباطها بالأزمات، فرغم أنّ الأزمة يُمكن احتواء جوانب كبيرة من مخاطرها بترتيبات وإجراءات ودعم من الحكومات، إلّا أنّ الفساد والفشل والارتهان والتّخلف، جعل من هذا الدّعم غائبا، وجعل من الحلول مستحيلة، ممّا جعل الأزمة مستحكمة تماماً كالأزمات المتولّدة عن الحروب والكوارث الطّبيعية والتي تفوق احتمال وإمكانات الدّول والمُجتمعات.
ربّما هذا اليأس الشعبي من توفّر مظلة حماية الدولة، وعدم امتلاك رفاهية النأي بالنفس عن الاختلاط والعمل والتزاحم، إلى جانب غياب الوعي الكافي كمنتوج للإهمال أيضا، كلّ ذلك اجتمع وكانت محصّلته هذه الحالة غير المكترثة وحالة اللامبالاة العامّة والتي وصلت حتّى للزّهد في اللّقاحات والخوف منها أكثر من الخوف من الوباء!
هي تجربة قاسية، افتقد الكثيرون فيها أعزّاء لهم، بل وأصيب الكثيرون ونجوا من سوء التّداعيات، وربما يعاني الكثيرون من تداعيات الإصابة ويواصلون حياتهم، إلّا أنّها وبرغم قسوتها، شكّلت اختباراً وفرزاً، وجسّدت معاني الفشل والفساد وخطورتهما، وأخرجتهما من نطاق الخطايا إلى نطاق الجرائم الجنائية، حيث حدث التماس بين نتائجهما وبين الحياة بشكلٍ مباشر.
وهنا لم يعد الإصلاح مطلباً، وإنّما انتقل إلى خانة الحتمية لأنّ القضية أصبحت قضية حياة أو موت.
نعم لم يعُد إصلاح التّعليم بما يشكّله من ثقافة، وإصلاح الإعلام بما يشكّله من وعي، ولا ضبط الأولويات بما يتأقلم مع أقوات الشعوب وصحتها، مجرّد مطالبات، وإنّما تحوّلت لحتميات.
ولم يعد الهامش الزمني متّسعاً لتجاذبات وسجالات ومزايدات، بل أصبح الإصلاح الفوري ضرورة من ضروريات الحياة كالماء والهواء والطعام.
العجب كلّ العجب لمن يتعاطى مع زمن كورونا، بأدبيات وأخلاقيات وإيقاعات الأزمنة الأُخرى!