إيهاب شوقي - صحافي مصري
لازالت حالة الرّعب العالمية من انتشار جائحة كورونا مستمرّة رغم بزوغ الأمل بتوفّر اللّقاحات، وشيوع حالة نسبية من التّفاؤل لم تكدّر صَفوها إلّا أنانيّة الدّول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وغياب التوزيع العادل للقاحات، وكذلك الأعراض الجانبية لبعض اللّقاحات.
إلّا أنّ ما أثار حفيظة الدّول والشعوب، وأعاد حالة التّشاؤم مرّة أخرى، هو بروز الإنتشار المُخيف للفيروس بالهند وتحوّره إلى ما أطلق عليه "السّلالة الهندية". وبتأمّل هذه السّلالة والمعلومات المتوفّرة حولها، يُمكننا أن نستنتج أنّ هذا الإنتشار ينبغي أن يصبّ في صالح الوعي والإلتزام ولا يصبّ في صالح الفزع والتّشاؤم. وهنا يمكن استعراض بعض ما وفّرته التّقارير لبيان ذلك/ يرتفع عدد الإصابات الجديدة في الهند إلى مستويات قياسية كلّ يوم، وهو ما خلق أزمة وطنية ذات تداعيات عالمية، خاصّة وأنّ زيادة الإنتشار يعني زيادة فرص التّحور، وفقاً للخبراء.
وتُفيد التّقارير، بأنّه وفي حين أنّ الأولوية العاجلة هي إنقاذ حياة المرضى بالفعل، فإنّ التّطعيم في البلاد يُعتبر أمراً ضرورياً لمنع انتشار الفيروس. إلّا أنّه، وعلى الرّغم من كون الهند موطناً لأكبر منتج للقاحات في العالم، فليس لديها جرعات كافية، ولا توجد طريقة سريعة وبسيطة لتحقيق المزيد، حيث تُصدّر الهند أغلب الجرعات التي تصنعها إلى الخارج!
وتتحوّر الفيروسات طوال الوقت وتتغيّر ويؤدي ذلك إلى ظهور سلالات جديدة منها، وأغلب هذه التّحورات كبيرة وجوهرية، وبعضها قد يجعل الفيروس أقلّ خطورة، لكن تحوّرات أخرى قد تجعله أكثر تسبّباً للعدوى وأكثر مقاومة للّقاحات. وقد تمّ رصد السلالة المتحوّرة الهندية لفيروس كورونا في "17 دولة على الأقل"، وفق ما أعلنته منظّمة الصّحة العالمية، ولكن وفقاً لبيانات المبادرة الدولية لمشاركة بيانات الإنفلوانزا، فقد انتشرت حتّى الآن في 21 دولة حول العالم.
وأوضحت منظّمة الصّحة أنّ النّسخة بي.617.1 المعروفة على نطاق أوسع باسم "المتحوّرة الهندية"، رُصِدت في "17 دولة على الأقل"، وتحديداً ببلدان أوروبية عدّة منها بلجيكا وسويسرا واليونان وإيطاليا.
وأصبحت الهند مركز الوباء منذ أيام مع انتشار السّلالة المتحوّرة "الهندية"، وهي البلد الأكثر اكتظاظاً بالسّكان بعد الصين، وباتت تسجّل أرقاماً قياسية جديدة يومياِ في عدد الإصابات.
والهند هي رابع دولة أكثر تضرراً في العالم من حيث الوفيّات، مع أكثر من 192 ألف وفاة، وتعمل محارق الجُثث بأقصى سرعة في الأيام الأخيرة.
وتُجرى العديد من الدّراسات لفحص خصائص السّلالة الهندية المتحوّرة والتي تبيّن أنّها تتطابق إلى حدّ كبير مع سلالة جنوب أفريقيا والسلالة البرازيلية. وتكمن خطورة السّلالة الهندية في أنّها تمثّل تحوّراً جديداً للفيروس، وبالتّالي يصعب على الجهاز المناعي التّعرف عليه وإنتاج أجسام مضادّة لمقاومته.
وتختلف السّلالة الهندية عن السلالات الأخرى في أنّها سريعة الإنتشار وتتمكّن من النّفاذ إلى الجهاز المناعي والتّكاثر داخل الجسم. وتتباين التّقارير حول فاعلية اللّقاحات مع السلالة المتحوّرة، حيث لا يزال مصير السّلالة غامضاّ أمام اللّقاحات حتّى يتمّ تحديد خصائصها ومدى قدرة لقاحات كورونا على مقاومتها.
وتفيد التّقارير بأنّ هذه السّلالة ليست الأكثر قلقاً، لكنّ المُقلق في الوقتِ الحالي هو السّلالة التي تمّ اكتشافها في المملكة المتّحدة، وهي السائدة في بريطانيا وانتشرت في أكثر من 50 دولة. ويقول الدكتور جيريمي كاميل، أستاذ الفيروسات بجامعة ولاية لويزيانا بالولايات المتّحدة: "أشكّ في أن تكون السلالة الهندية أكثر عدوى من السّلالة المُنتشرة في المملكة المتّحدة. ولا يجب أن نشعُر بالهلع".
ويقول الدكتور رافي غوبتا، أستاذ الميكروبات الطبيّة في جامعة كامبريدج إنّ "الكثافة السّكانية المرتفعة في الهند بمثابة حاضِنة هائلة للفيروس ليتحوّر". لكن حالات الإصابة في الموجة الثانية في الهند قد يكون سببها التّجمعات الحاشدة وغياب الإجراءات الوقائية، مثل ارتداء الأقنعة أو التّباعد الإجتماعي. ويرجّح بعض الخبراء أن تنجح اللّقاحات في السّيطرة على هذه السّلالة من حيث منع المرض الشديد.
لكن ورقة بحثية نشرها البورفيسور غوبتا وفريقه في دورية نيتشر تتنبأ بأنّ بعض السّلالات في مرحلة ما ستتغلّب على مفعول اللّقاحات. ولذلك، يجب إحداث تغييرات في تصميم اللّقاحات في مرحلة ما لتكون أكثر كفاءة. وفي الوقت الحالي، يرجّح أن تنجح اللّقاحات المُتاحة في كبح انتشار المرض.
هنا يُمكننا أن نخلص إلى أنّ هذه السّلالة ليست الأخطر بل السلالة البريطانية هي المقلقة وفقاً للخبراء، ولكن مصدر بروز السّلالة الهندية هو لانتشارها داخل بلد مكتظ بالسّكان وشابه الإهمال وعدم الإلتزام بالإجراءات الإحترازية، كما أنّه بلد وسيط في إنتاج اللقاحات، حيث تُصنع على أراضيه للتّصدير دون فائدة للشّعب الهندي منها!