(شارل ابي نادر/عميد متقاعد)
بمعزل عن الحراك الاحتجاجي في الشارع بمواجهة الدولة اللبنانية بالتزامن مع مواجهتها لكورونا، والذي بدأ ياخذ طابعا عنفيا تخطى روح المطالب المعيشية المحقة، ليصل الى قرار واضح كما يبدو بتوتير الوضع الامني بشكل مقصود، عبر الاعتداء على الاملاك العامة والخاصة والقوى العسكرية والامنية، هناك مساحة اخرى تعيشها هذه الدولة، فيها الكثير من الايجابيات والنقاط المهمة، والتي استطاعت تحقيقها خلال رحلة مواجهة الوباء العالمي كورونا، تضاف الى نجاحها في احتوائه حتى الان، مع امتلاك مرتبة مُشرّفة بين الدول في هذه المواجهة، لناحية محاصرة عدد الاصابات بالمتواضع، او لناحية تجميد حالات الوفاة بقدرٍ كبير، وهذه الايجابيات يمكن وضعها في خانة تنظيم وتفعيل العمل الاداري الرسمي، من خلال مواجهة الوباء .
يمكن الاشارة الى هذه الايجابيات من خلال ما يلي:
تنظيم لوائح اجتماعية جديدة
وهذا الموضوع تم اعادة ضبطه من خلال اعادة النظر بدراسة جميع لوائح الدولة والوزارات، والتي تعنى بشرح الحالات الاجتماعية لكل عائلة من كافة النواحي، الطبية والمالية والاقتصادية، وحيث تعتبر هذه اللوائح ولدى كل الدول المتطورة، مرجعاً رسمياً، تستند إليه السلطة عند كل حالة تشبه الازمات الكبرى أو الكوارث الوطنية، والتي تهدف من خلالها الى تقديم مساعدات انسانية طارئة، على شرط ان تتم مراجعة هذه اللوائح بشكل دوري، تِبعا لِأسس علمية موضوعية، على عكس ما كانت مبنية عليه اللوائح السابقة الموجودة لدى الوزارات، والتي توقف العمل بها بعد اكتشاف عدم دقتها وعدم مطابقتها لحقيقة الاوضاع الاجتماعية، والتي تفترض مساعدة المواطنين والعائلات على اساسها.
من هنا، وبعد اعادة تنظيم هذه اللوائح بمساعدة الاجهزة الامنية والعسكرية والهيئات البلدية والاختيارية الرسمية، والتي شارفت تقريباً على الانتهاء، والاكتمال، يمكن القول اليوم، ان السلطة اللبنانية ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية والبلديات والدفاع والداخلية، اصبحت تملك مرجعاً دقيقاً وصحيحاً اشمل وأوسع للمواطنين ولوضعهم الاجتماعي والصحي ربما ... الخ.
تفعيل عمل جميع الهيئات الاهلية والسلطات المحلية
وهذا الموضوع ايضا كان من الايجابيات المهمة التي اكتسبتها الادارة اللبنانية، حيث شكلت عملية مواجهة الوباء والاستنفار الكامل لاجهزة الدولة، فرصة مهمة لتفعيل عمل اغلب الهيئات الرسمية المحلية من نواطير ومخاتير وحرس بلدي ومجالس بلدية بشكل عام واوسع .
من هنا، تم تكليف جميع أفراد هذه الهيئات بمهمات: مراقبة المواطنين وضبط تنفيذ تعليمات التعبئة العامة والحجر المنزلي، وكافة تعليمات الدولة الممثلة بوزارتي الصحة العامة والداخلية والبلديات، لناحية منع التجول واحترام شروط التواصل المتعلق بالحصول على المأكولات والتغذية والحاجات الاساسية الضرورية والمسموح التزود بها.
هذا الموضوع ينطبق على كافة النواطير والمخاتير وحرس البلديات، باشراف مباشر من البلديات، والتي مارست دورها بشكل واسع وكامل، اولا للحاجة الماسة الى تظافر واستغلال جميع الجهود الرسمية المحلية في عملية المراقبة والضبط وادارة المواجهة بين المواطنين، وثانيا، كونها أساسا مكلفة قانونا بهذه الاجراءات، وربما كانت قد تقاعست عنها سابقا، لاسباب ادارية او لاسباب عدم وجود حاجة حينها لتفعيلها، على عكس الحاجة الماسة لها اليوم بمواجهة كورونا .
تجهيز المستشفيات الحكومية
وهنا ربما اهم انجاز ربحته الدولة اللبنانية كان في تجهيز اغلب المستشفيات الحكومية الرسمية، واعادة وضعها على سكة العمل الطبي بتصرف جميع المواطنين، وصحيح ان الفرصة كانت مناسبة، من خلال الاستفادة من المساعدات الواسعة التي تلقتها وزارة الصحة العامة لمواجهة كورونا، وأيضا من خلال ما تم الحصول عليه من قروض ومساعادت خارجية من منظمة الصحة العالمية او من البنك الدولي، والتي تحولت لصالح معركة مواجهة الوباء عالميا، لأن تفعيل هذه المستشفيات سوف يكون لاحقاً وبعد الانتهاء من الوباء باذن الله، من ضمن عمل وواجبات وزارة الصحة العامة، حيث انها (المستشفيات الحكومية) تنتشر اساساً في كافة المناطق اللبنانية تقريباً، وقادرة بعد تفعيلها، ان تلعب دوراً مفيداً ومنتجاً للمواطنين، ببدل رمزي يوفر الكثير عليهم وعلى مالية الدولة في هذه الظروف المعيشية الصعبة.
ادارة الكوارث والازمات
واخيرا، لقد كانت مواجهة الكورونا اشبه بمعمودية لجميع الناس والمواطنين والمؤسسات العامة والخاصة والاجهزة الامنية والعسكرية، وايضا لكافة الوزارات والتي عملت باشراف مباشر من قبل الحكومة ورئيسها، ضمن منظومة عمل اداري ناجح، صالحة لتكون مرجعا ونمطا ثابتا ودائما لادارة السلطة وللعمل الرسمي، في ظل الازمات الكبرى او في ظل الكوارث الوطنية، والتي من الممكن ان تتعرض لها كل دولة دائما