إيهاب شوقي (كاتب مصري)
تشكّل مصر حالة غريبة من حالات العرض والطلب على لقاحات كورونا، فبينما تتوفّر كميّات معقولة من اللّقاحات، يُفترض معها التّزاحم، لا نجد هذا التّزاحم، بل نجد إقبالا ضعيفًا!
كانت وزارة الصحّة المصرية قد أطلقت الموقع الإلكتروني لتسجيل طلبات الحصول على اللّقاحات، في الـ 27 من فبراير (شباط) الماضي، وتصدّرت الصفحة الرئيسة للموقع معلومات عن كيفية عمل العقاقير، وكذلك عن اللّقاح الصيني، وأنّ نسبة فعاليته وصلت إلى 86 في المائة، بعد اختباره على 45 ألف مشارك في أربع دول.
ورغم أنّ الفئات المستهدفة في المرحلة الأولى كانت تبلغ نحو 20 مليون شخص لم يتقدّم لطلب اللّقاح سوى نحو 150 ألف مواطن، بحسب بيان أصدرته الحكومة المصرية في أوّل أيام تلقّي المواطنين للقّاح.
ووقتها أرجع جلال الشيشيني، معاون وزيرة الصحّة والسكّان للصحّة العامّة والسّياسات الصحيّة عزوف المواطنين إلى الخوف من كلّ جديد، ومقاومته من جانب البعض، ووصفه بـ"الأمر الطبيعي"، متوقّعًا تزايُد الإقبال على اللّقاح في الفترة المُقبلة بعد حصول البعض عليه، ما يخلق حالة من الأمان.
ووقتها أيضا، لم يقتصر الأمر على المواطنين، بل شمل الأطباء، وفي المُستشفيات المصرية التي طعمت فيها وزارة الصحة نحو 10 آلاف من الأطقُم الطبيّة ابتداءً من 24 يناير/ كانون الثاني الماضي، ظلّت هناك نسبة رفض لتلقّي اللّقاحات تزيد عن 40 في المائة، وفقاً لما كشفه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في خطاب له.
وأرجع وقتها محمد عوض تاج الدين مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والوقائية، عدم إقبال المواطنين على تلقّي تطعيم لقاح كورونا إلى ما يُذكر في وسائل الإعلام المحليّة العالمية. وأضاف خلال مُداخلة تليفزيونية أنّه يواجه تساؤلات يوميًا عن الآثار الجانبية نتيجة تلقّي تطعيم لقاح كورونا وطمأن المواطنين بأنّ هذه التّطعيمات آمنة.
واليوم، نرى بعض التّحسّن في الإقبال، إلّا أنّه تحسّنًا لا يُغيّر عنوان ضعف الإقبال، حيثُ أكّد الدكتور خالد مجاهد، المتحدّث باسم وزارة الصحة والسكان، أنّ هناك زيادة وإقبالًا من المواطنين على عملية التّسجيل لتلقّي لقاح كورونا خلال الفترة الأخيرة، وزادت بشكلٍ كبير بعد شهر رمضان، وأنّ الأعراض لتلقّي اللّقاح خفيفة، وقال إنّ هذا الأمر كان عاملاً مساعدًا على إقبال أكبر من قِبل المواطنين للتّسجيل للحصول على لُقاح كورونا.
إلّا أنّ الأرقام التي ذكرها تؤكّد ضعف الإقبال، حيثُ ذكر أنّ عدد المواطنين الذين سجّلوا لتلقي لقاح كورونا بلغ حتّى الآن أكثر من 3 ملايين مواطن، وتمّ إرسال رسالة عبر "الموبايل" لنحو 2 مليون مواطن بالذّهاب إلى المقارّ المخصّصة لتلقّي لقاح كورونا.
ومقارنةِ بعدد سكان مصر الذي اقترب من 102 مليون نسمة، فإن النسبة تشكّل مهزلة في بلد ينتشر بها المرض وتشهد موجة ثالثة منه هي الأقوى منذ دخول الجائحة لمصر.
أسباب العزوف المسكوت عنها:
ولا شكّ أنّ هناك أسبابا متنوعةً لهذا العزوف عن التّسجيل للحصول على اللّقاح، ويمكننا أن نَرصد منها أسبابًا تناولتها بعض التّقارير الصحفية، وأسبابًا لمسناها بشكلٍ شخصي في التّعامل اليومي مع الشارع المصري، وأسبابًا يُمكن استنتاجها بشكلٍ تحليلي، وذلك كما يلي:
أولًا: أسباب رصدتها التّقارير:
1- افتقاد فئة كبيرة من المواطنين للمعرفة بآليات التّسجيل الإلكتروني والتّعامل مع شبكة الإنترنت للتّسجيل للحصول على اللْقاح.
2- الشائعات المحيطة باللّقاحات وخطورتها وأعراضها الجانبية.
3- عدم ثُقة الفقراء والمهمّشين في الحصول على دور باعتبار أنّ الأولويّة ستكون للفئات الأعلى اجتماعيًا.
4- الشّائعات التي لحقت باللّقاح الصيني "سينوفارم" والذي له الحصّة الأكبر في البلاد، ممّا حدا بفئات كبيرة تنظُر للّقاحات الغربية بثقةٍ أكبر وتنتظر توفّرها.
ثانيا: أسباب تمّ رصدها بشكلٍ شخصي:
1- عدد غير قليل من المواطنين يتعامل مع جائحة كورونا بإنكار شديد ولا يزال البعض يرى أنّها أكذوبة وأنّ التّرويج لها يخفي وراءَه أمرًا غامضًا وخطيرًا.
2- عدد أيضًا غير قليل يؤمِن بأطروحة الشّريحة المغناطيسية التي يتمّ زرعها في الجسد للمراقبة والتّحكم بالأشخاص.
3- عدد كبير يعرف خطورة الأمر ولكنّه يتعامل معه بشكلٍ قدري تحت عنوان "الحذر لا يمنع القدر".
ثالثًا: أسباب متعلّقة بالتّحليل والإستنتاجات:
1- وجود حالة من عدم الثّقة بين المواطن والإعلام من جهة، وبينه وبين الحكومة من جهةٍ أُخرى، لرصد المواطن حالة عامّة من تدنّي الرّعاية الصحيّة والمُعاناة من تكلفة العلاج وتدنّي حالة المستشفيات الحكومية وتفريغ مجانيّة العلاج من مضمونها، وهو ما يجعل هناك حالة من الريبة وانعدام الثّقة في لقاحات متوفّرة بشكلٍ مجّاني!
2- حالة البلبلة وتضارُب التّقارير، بَداية من بزوغ الجائحة وأسبابها المجهولة حتّى الآن، وصولًا للّقاحات والحرب التّجارية بين مصنّعيها وتبادُل الشّائعات حول المخاطر ونسب الفاعلية وغيرها، ممّا ولّد مناخًا من التّشكّك استطاعت نظريات المؤامرة كسب موطئ قدم متقدّم به على المستويات الشعبيّة.
3- طبيعة المصريين العامّة تجنح نحو الخوف من المجهول، وتفضّل انتظار التّجربة أوّلًا على الآخرين، وعدم الإقبال على المُجازفة والمُغامرات.
لا شكّ أنّها حالة غريبة نوعًا، وإن وجدنا لها ظلالًا في بلادٍ أُخرى، ولكنّها حالة لا تخلو من خطورة، وبالمُقابل لا نستطيع تحميل مسؤوليتها كاملةً للشّعب، وإنّما هناك مسؤولية للدولة وسياستها وإعلامها، ومسؤولية دوليّة عن مناخ ضبابي يُحيط بالفيروس ولُقاحاتِه.