إيهاب شوقي
مرّة أخرى تعود ثنائية التّلاعب بين السياسة وكورونا، ويعود إلى الواجهة سؤال، هل تلاعبت كورونا بالسياسة، وبالتالي فهي مختلقة ومدبّرة لهدف سياسي، أم هل تتلاعب السياسة بكورونا وتستغل الجائحة وتوظّفها؟
الأمر هذه المرّة يختلف عن الأيام الأولى لانتشار الوباء وما صاحبها من انتشار عدّة نظريات للمؤامرة، وما بدا حتّى أنّه استباق للحوادث من قبل الرئيس الأمريكي السابق ترامب، بتوجيه الإتهامات للصين، ممّا فسّر نحوها على أنّه مسارعة للتّوظيف السياسي ضدّ الخصم اللّدود المهدّد للعرش الأمريكي، وفسّر أيضاً بأنّه تمويه لإخفاء أنّ أمريكا هي من اختلقت الوباء وضربت به الصين لتدميرها وإيقاف مسارها المهدّد لأمريكا.
ومحل الإختلاف هذه الأيام هو أنّ هناك فترة كبيرة قد مرّت، وتعاطت بها جميع الدول مع الواقع المرير، وتسارعت بها جهود إنتاج اللّقاحات، وارتضت الدول بمرجعية منظّمة الصحة العالمية، وحكمها شبه الحاسم بأنّ الوباء غير مختلق وغير مسرّب من معامل الإختبارات. حيث نشرت المنظّمة في آذار/مارس الماضي، النّسخة الكاملة لتقرير مجموعة دولية من الخبراء الذين زاروا مدينة ووهان الصينية لتحديد أصل فيروس، والذي وصفوا فيه احتمال تسرّب الفيروس من مختبر بأنّه "مستبعد".
إلّا أنّ السياسة التي صاحبت اللّقاحات أيضاً، سواء بالإحتكارات ونسب التّوزيع، والمنافسة غير الشريفة فيما بين الشركات بإطلاق الشائعات وتشويه لقاحات الخصوم، أبت أن تترك المنشأ أيضا دون توظيف سياسي، لتعيده للواجهة، ولتكشف أيضاً جوانب أخرى من السياسة كانت مخبّأة في جعبة انشغال العالم بالموجات المتلاحقة والتّحوّرات المتتابعة للفيروس.
وللتّوضيح وباختصار، فقد أمر الرئيس الأميركي جو بايدن معاونيه بتحديد منشأ فيروس كورونا الذي تسبّب في الجائحة، قائلا الأربعاء 26 أيار/مايو إنّ أجهزة المخابرات الأميركية تطرح نظريات متضاربة قد تشمل احتمال تسرّبه بسبب حادث في مختبر. وقال بايدن إنّ أجهزة المخابرات تدرس احتمالين مرجحين لكنّها لا تزال تفتقر إلى الثّقة القوية في استنتاجاتها وتُجري نقاشاً ساخناً بشأن أيّهما أكثر ترجيحاً.
وجاء في بيان الرئيس المكتوب أنّ النّتائج وردت بالتّفصيل في تقرير لبايدن، الذي طلب من فريقه في آذار/مارس أن يقدّم تفاصيل عمّا إذا كان ذلك الفيروس المستجد "نشأ نتيجة مخالطة إنسان لحيوان مصاب أو من حادث بمختبر".
وهنا لسنا بحاجة إلى تأمل لنكتشف أنّ بايدن يُعيد إنتاج ذات الإتّهامات التي وجّهها سلفه وخصمه ترامب للصين!
تزامن مع ذلك ما قالته صحيفة "تايمز" في تقرير لها إنّ الإستخبارات البريطانية تعتبر الآن أنّه من "الممكن" تسرب فيروس كورونا "SARS-CoV-2" من مختبر.
وقالت الصحيفة نقلاً عن مصادر لم تذكرها إنّ أجهزة الإستخبارات الغربية، بما في ذلك البريطانية، كانت تعتبر في وقتٍ سابق أنّ فرضية تسرّب فيروس كورونا هذه ضعيفة، ولكن الآن تمّت إعادة مراجعة هذا التّقييم.
وتزامن مع ذلك أيضاً، ما ذكرته صحيفة "ديلي ميل"، أنّ البروفيسور البريطاني، أنغوس دالغليش، وعالم الفيروسات النرويجي، بيرغر سورنسن، أعلنا في دراسة أنّهما عثرا على دليل يثبت الأصل المختبري لفيروس كورونا.
وقال الخبيران في دراستهما إنّهما وجدا عدداً من خصائص فيروس كورونا، يُشير إلى وجود "تلاعب مستهدف".
وقال التّقرير أيضاً إنّ النّوع الجديد من فيروس كورونا قد انتقل على الأرجح إلى البشر من الخفافيش عن طريق حيوان آخر.
هنا من الواضح، أنّ هناك تنسيقاً أمريكيا بريطانيا لتوجيه اتّهامات إلى الصين.
إلّا أنّ هناك لعبة سياسية أخرى داخل هذه اللّعبة، قد حدثت للمساعدة في الإطاحة بترامب، ممّا يثبت أنّ أمريكا لا تتورّع عن التّلاعب بأي شيء لخدمة سياساتها الخارجية والداخلية على حدّ سواء.
فقد حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب اللّعب بنفس الورقة، وقال إنّ بلاده تجري تحقيقاً شاملاً حول مصدر الفيروس، وهو نفس ما أكّدته "سي أن أن" عندما نقلت أنّ الإستخبارات الأمريكية تحقّق في الموضوع، فيما صرّح وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو لفوكس نيوز أنّ بكين مطالبة بالإفصاح عن كلّ ما تعرفه بخصوص انتشار كوفيد-19، ملمّحاً إلى مسؤولية معيّنة لمعهد علم الفيروسات في مدينة ووهان، حيث ظهر الفيروس أوّل مرّة.
ومن واجه ترامب وقتها هو الدكتور أنتوني فاوتشي، كبير خبراء الأمراض المعدية بالولايات المتحدة والذي لم يساير ترامب في توجيه الإتهامات إلى الصين، والذي أعلن أنّه شعر بالتّحرر وبالقدرة على قول الحقيقة العلمية حول فيروس كورونا دون خوف من "تداعيات" بعد رحيل الرئيس دونالد ترامب عن الحكم.
وقد عانى فاوتشي من علاقة متوتّرة مع ترامب وتمّ تهميشه من الإحاطات العامّة التي كانت تقدّم حول كورونا، إلّا أنّه عاد إلى البيت الأبيض بعد أن أصدر الرئيس الجديد جو بايدن إستراتيجية وطنية لمكافحة كورونا، ووقّع 10 أوامر تنفيذية لمكافحة الوباء الذي أودى حتى الآن بحياة أكثر من 400 ألف شخص في الولايات المتحدة الأمريكية.
وحاليا يساير فاوتشي ما يُعيد بايدن إنتاجه من اتّهامات، حيث بدأ في تغيير لهجته، والتّراجع عن نفيه، بأن قال إنّه لا يستبعد أي احتمالات لمنشأ الفيروس!
ومؤخّرًا، دافع البيت الأبيض عن كبير مستشاري الرئيس الطبيين في حملة مواجهة فيروس كورونا، الدكتور أنتوني فاوتشي بعد الكشف عن بعض رسائله الإلكترونية بشأن منشأ فيروس كورونا.
وقالت المتحدّثة الإعلامية باسم البيت الأبيض، جين ساكي، إنّ فاوتشي كان دومًا "دعما لا يمكن الإستغناء عنه".
لكن رسائل البريد الإليكتروني الخاصة بفاوتشي والتي سربت، تُثير التّساؤلات حول مدى دعمه الموقف الصيني، الرافض لنظرية تسرب فيروس كورونا، من مختبر الفيروسات في مدينة ووهان.
وفي إحدى الرسائل المؤرّخة في شهر نيسان/أبريل الماضي، وجّه المدير التنفيذي لمنظمة صحية خيرية الشّكر لفاوتشي لأنّه نفى علنًا وجود أي دليل على صحّة نظرية تسرّب الفيروس من أحد المختبرات.
وفي مقابلة مع شبكة سي إن إن الإخبارية، أكّد فاوتشي أنّ الرّسالة تمّ اقتطاعها من السياق من قبل منتقديه، وأنّه يتمتّع بعقلية منفتحة تجاه منشأ الفيروس!
ويبدو هنا أنّ فاوتشي كان نفيه نكاية في ترامب ويعيد الآن مسايرة بايدن فيما كان يفعله ترامب!
الثّابت أنّنا أمام جائحة مسيّسة، إمّا في منشأها وإمّا في توظيفها، وتحمل التّلاعبات السياسية في طيّاتها ألعابا سياسية أخرى فرعية، ناهيك عن السياسة التي تفوح رائحتها في محطّات التّعاطي والمواجهة للجائحة.