محمد باقر ياسين
بسمةٌ ساحرةٌ ووجهٌ ملؤهُ القوّة والعزم والإرادة، إنّه محمد مهدي سعادة، طفلٌ لم يرحمه فيروس كورونا ولم يرأف بأيّام عمره الستّة فتسلّل إلى جسده الصغير، واختاره لكي يكون أصغر طفل في لبنان يُصاب بالفيروس القاتل، فطرح جسده الطري 26 يوماً إلى أن غادر محمد المستشفى.
موقع كورونا نيوز يروي لكم القصّة الكاملة، كما وردت في شريط فيديو قصير نشره مستشفى الشهيد الشيخ راغب حرب في النّبطية.
بدأت قصّة محمد مهدي بعد أن أبصر النّور بخمسة أيّام، حينما لاحظت أمّه ارتفاع حرارته، فتمّ نقله إلى مستشفى الشيخ راغب حرب، ليكتشفوا بأنّه مصابٌ بفيروس كورونا، وهنا كانت الصدمة، فصغر سنّ محمد جعل الأهل آخر ما يفكرون به، أن يكون مصاباً بهذا الفيروس الخطير.
يروي الدكتور مصطفى صبرا (رئيس قسم الأطفال في مستشفى الشيخ راغب حرب الجامعي) في الفيديو تفاصيل القصة منذُ لحظة دخوله المستشفى إلى حين خروجه منها. فيقول: "نتحدّث عن أصغر طفلٍ دخل إلى قسم كورونا وعانى من مشاكل تنفسيّة، فالحالة لطفلٍ لم يُكمل اليوم السادس من عمره، ويُعتبر أصغر مريض مصاب بكورونا دخل إلى مستشفانا، وكان سبب دخوله الأساسي عبارة عن حرارة وبدأت العوارض الأخرى تظهر لديه وحالته الصحية تتدهور، إلّا أن بدأت المشاكل التنفّسية تظهر لديه تباعاً، ابتداءً من حاجته إلى الأوكسيجين بشكلٍ خفيف، إلى الحاجة لإعطائه التّنفس بكميات أكبر وبوسائل مختلفة، وصولاً إلى حاجته إلى التنفس الإصطناعي".
يتابع صبرا: "للأسف، لم يتجاوب الطفل مع الأجهزة العادية، فاضطررنا أن نستعين بجهاز أكثر تطوراً وهو
high frequency "هاي فريكونسي" والذي يستعمل للحالات الخاصة". ويلفت إلى أنّه "ليست كلّ مستشفيات لبنان مجهّزة به، -ولله الحمد- متوفّر لدينا في المستشفى".
ويوضح صبرا أنّ "المشكلة الأساسية كانت تكمن في أنّ هذه الفئة العمرية من الأطفال على صعيد العالم أجمع هي حالات نادرة ولذلك لا توجد دراسات على هذه الحالات ولا بروتوكولات طبية واضحة للتّعامل معها، بعكس بقية الفئات العمرية، فاضّطررنا إلى مراجعة المقالات العلمية والتّحدث إلى الأطباء ذوي الخبرة في لبنان وبعد التّحدث كذلك مع الأهل واطّلاعهم على وضع طفلهم والعلاجات المقترحة ومخاطرها، ولكن لم يكن لدينا خياراً آخر لأنّ وضع الطفل كان بتدهورٍ مستمر، فبعد تثبيت التنفس كان لابدّ من مساعدة الطفل بأدوية تستخدم لبقية الفئات العمرية".
ويُشير الدكتور مصطفى إلى أنّ "صورة الرئتين التي أجريت له أظهرت تضرّر 80% منها، ولله الحمد، استطعنا من فصل محمد عن أجهزة التّنفس بعد 16 يوماً من دخوله المستشفى، فبدأ تنفسه يصبح طبيعياً من دون حاجته إلى الأوكسيجين، وبعدها أعطي الطعام، ومع مرور 26 يوماً من دخوله المستشفى خرج محمد مهدي إلى المنزل كأي طفلٍ آخر يتنفس الهواء الطلق بدون أي مساعدة تنفسية".
الطفل الجنوبي المقاوم أصرّ بعناده على مُقارعة فيروس لم يسلم منه الكبير ولا حتّى الصغير، وانتصر عليه بتجربةٍ مريرة، وفيها الكثير من الأمل ودروس في المواجهة حتّى الرّمق الأخير، فإصابة محمد تجربة يجب الإلتفات إليها، فالفيروس لا يفرّق بين طفل الأيّام الستّة ولا العجوز، لذا حفاظاً على أرواحنا وأرواح من نحبّ يجب أن نستمرّ بالتّقيد بالإجراءات الوقائيّة.