إيهاب شوقي
لا شكّ أنّ هناك معركة كبرى بين الفيروس وتطوّراته وبين البشر وإجراءاتهم الاحترازية ولقاحاتهم وعلاجاتهم ومناعته، وهي معركة على الأمل في عودة الحياة الطبيعية واستئناف الصراعات الأخرى المنفصلة عن الصراع الوجودي مع جائحة تهدّد جميع الأطراف.
ولا شكّ أنّ التّفاؤل وغرس الأمل هو نوع من العلاجات المعزّزة للمناعة، شريطة أن لا يكون غرس الأمل مرتبطا بالتّضليل أو الأوهام، لأنّ ذلك على المدى البعيد يتسبب في كوارث متعلْقة بالإحباط وبصعوبة غرسه مرّة أخرى لافتقاد المصداقية.
وهنا نحن أمام نموذجين عالميين، أحدهما يسعى للإيحاء بانتهاء الجائحة واستغلالها في اكتساب مفاخر وريادة مفتعلة، ونموذج واقعي يسعى للمواجهة مع المصارحة.
ولعلّ النّموذج الأول تمثّله شركات اللّقاحات والأدوية متعدّدة الجنسيات والساعية للرّبح، ومن الدول التي تشكّل رديفًا لهذه الشركات، تأتي دولة الإمارات في المقدمة، حيث تعمل عرابا لهذه الشركات تحت عنوان "الريادة الإماراتية"، وهو غرام إماراتي بالريادة مدفوعة الأجر، مثل أعلى برج، وريادة الفضاء ومؤخراً ريادة اللّقاحات والعقارات المعالجة.
فقد احتفت وسائل الإعلام مؤخّرا بأنّ أبو ظبي ستصبح أوّل مدينة عالمية تتلقّى دفعات من عقار جديد لعلاج وباء كوفيد-19!
وذكرت الأخبار أنّه من المقرّر أن تبدأ الإمارات قريباً في استخدام عقار جديد لعلاج وباء كوفيد 19، فقد تسلّمت أبو ظبي بالتّعاون مع شركة غلاكسو سميث كلاين العالمية للصناعات الدوائية الحيوية، عقار "سوتروفيماب"، المخصّص لعلاج الإصابة بفيروس كوفيد-19.
وهو من الأدوية المضادّة للفيروسات وهو من الأدوية الحديثة ويعالج حالات معينة من الوباء ويحتوي على أجسام مضادة ويحقن بالوريد، يمكن استخدامه لعلاج البالغين والأطفال فوق سن 12 عاماً.
والمعلومات المتوفّرة عن الدواء باختصار جاءت كما يلي:
- أظهرت الدّراسات أنّ الدواء يمنع تطوّر المرض إلى الحالات الشديدة أو الوفاة في أكثر من 85 في المئة من مرحلة العلاج المبكر، كما يمكنه معالجة كافة الأشكال المتحورة المعروفة حتى اليوم.
- حصل العقار على ترخيص الاستخدام الطارئ من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية وستعمل أبو ظبي بالاستعانة بشركات متخصّصة على تسهيل عملية تأمين العقار وتخزينه وتوزيعه.
- ينضم هذا الدواء الحديث إلى مجموعة الأدوية المضادة للفيروسات التي بدأ استخدامها منذ عام تقريبًا لمواجهة الوباء.
- الدواء الجديد المعتمد يحمل اسم "Sotrovimab- VIR-7831" وأنتجته شركة GlaxoSmithKline plc بالتعاون مع شركة Vir Biotechnology, Inc في أقل من 10 أشهر منذ بَدء التجارب السريرية.
- غير مصرّح باستخدام سوتروفيماب للمرضى الذين تمّ نقلهم إلى المستشفى بسبب الإصابة بـ"كوفيد-19"، أو الذين يحتاجون إلى علاج بالأوكسجين بسبب الفيروس، أو الذين يحتاجون إلى زيادة في معدّل تدفّق الأوكسجين الأساسي بسبب كورونا، أو أولئك الذين يخضعون للعلاج بالأوكسجين المزمن بسبب الإعتلال المشترك غير المرتبط بـ COVID-19.
ومن مجمل المعلومات، نرى أنّ الدواء ليس فتحًا استراتيجيًا في علاج المرض وهو بمثابة الأدوية التي اعتمدت في بروتوكولات العلاج بشكل اجتهادي.
كما أنّه ليس اكتشافًا جديدًا يوجب الريادة في استعماله، حيث أوصت عدّة بلدان باستعماله في الحالات الطارئة.
وبالتالي فإنّ الريادة الإماراتية المدعاة ما هي إلّا دعاية للدواء وشركاته من جهة، ودعاية للإمارات من جهة أخرى.
على الجانب الآخر، تشكّل روسيا نموذجًا للتعاطي الواقعي، حيث أكّد عمدة موسكو سيرغي سوبيانين، أنّ الإصابات بسلالة "دلتا" الهندية من فيروس كورونا تشكّل حاليا الأغلبية الساحقة من الحالات الجديدة للعدوى في المدينة.
وصرّح سوبيانين للصحفيين بأنّ السلالة الهندية شديدة العدوى وذات القدرة المرتفعة على التفشّي تشكّل الآن 89.3 بالمائة من الإصابات الجديدة، لافتًا إلى أنّ مستوى الأجسام المضادة المطلوب للحصانة من هذه الطفرة الجديدة يتجاوز بضعفين ما هو المطلوب للحصانة من السلالة الكورونية الأصلية التي اكتشفت لأوّل مرّة في مدينة ووهان الصينية.
وأوضح عمدة العاصمة الروسية أنّ المناعة الاجتماعية ضد كورونا في المدينة تقدّر حاليا بنحو 60%، لكن هذا المعدل يتراجع إلى 25% فقط فيما يخص الناس الذين لديهم مستوى مرتفع للأجسام المضادة.
وأقرّ سوبيانين بأنّ موسكو اضطرت للعودة إلى نقطة البداية في حربها ضدّ كورونا، لكن هذه المرّة مع عواقب أخطر، قائلا: "لذلك نرى هذا الانفجار في عدد الإصابات والمرضى في المستشفيات، ونلبي بصعوبة الاحتياجات الحالية على الرّغم من فتحنا يوميا مستشفيات وأقسامًا جديدة مخصّصة لمحاربة كوفيد-19".
هذا يعني أنّ المشوار لازال طويلا لتجنّب آثار الجائحة، وأنّ المطلوب هو المزيد من الوعي والاحتراز وتجنّب الدعاية والتّوظيف السياسي للجائحة.