إيهاب شوقي
بعد حالة نسبية من الطُّمأنينة سادت الإعلام العالمي حول الوضع الوبائي لفيروس كورونا، عاد شبح التّشاؤم مرّة أخرى بفعل التّحورات الجديدة وخاصة المتحوّر "دلتا".
وقالت منظّمة الصحّة العالمية إنّ حالات الإصابة بكوفيد-19 في أوروبا سجّلت ارتفاعًا بلغت نسبته 10 في المئة خلال أسبوع بعد شهرين من تسجيل تراجع في حالات الإصابات، فضلًا عن تزايد خطر حدوث موجة جديدة من تفشّي الوباء.
ونقلت التّقارير عن المدير الإقليمي، هانز كلوج، قوله إنّ المخاطر ازدادت بسبب تباطؤ عمليات التّطعيم باللّقاحات وظهور متحوّرات جديدة للفيروس وزيادة الإختلاط بين الأشخاص.
وتُساهم كذلك بطولة يورو 2020 في زيادة تفشي الإصابات بالفيروس، حيث ثبتت إصابة مئات المشجّعين العائدين من لندن وسان بطرسبرغ الإيجابية بالفيروس.
ومؤخّرًا، أظهرت البيانات الصحية للمملكة المتّحدة، أنّ الأعراض الأكثر شيوعًا للإصابة بمرض كورونا الآن ربّما تغيّرت عن تلك الأعراض التّقليدية للفيروس المستجد، في الوقت الذي أصبحت فيه سلالة دلتا شديدة العدوى هي السّائدة في المملكة المتحدة حاليًا.
كما أصدر البروفيسور تيم سبيكتور، المؤسّس المشارك لدراسة أعراض ZOE Covid، نداء إلى هيئات الصحّة العامّة لتوسيع قائمة أعراض فيروس كورونا الجديد، منوّهًا إلى مخاطر التّقصير في هذه الجبهة، بحسب موقع express.
هنا نحن إزاء خوف مضاف، وهو العامل النّفسي، حيث اتّساع دائرة الأعراض يضفي مزيدًا من القلق لدى الشعوب، لأنّه يزيد الخلط بين أعراض الفيروس وأعراض الأمراض الأخرى البسيطة وهو ما يزيد الشعوب خوفًا وقلقًا، من جهة، كما أنّه يزيد حالات العدوى دون إدراك أنّ الإصابات هي بالفيروس فعليًا، من جهة أخرى!
وفي الحالة البريطانية نموذجًا لهذا الإلتباس والقلق، حيث كانت منظّمة الصحّة العالمية قد أقرّت 13 عرضًا لفيروس كورونا، بينما سردت هيئة الخدمات الصحيّة البريطانية ثلاثة أعراض؛ ليدفع الجمهور البريطاني ثمنًا باهظًا لهذا التناقض، وقد حذّر البروفيسور تيم سبيكتور، المؤسّس المشارك لدراسة أعراض ZOE Covid، قائلًا: "ما زال الناس يصابون بالعدوى دون أن يدركوا ذلك، وينقلوها للآخرين، ما يزيد العبء علينا من الاقتصاد والخدمات الصحية.. تقريبًا كلّ دولة أخرى في العالم لديها قائمة أكبر من الأعراض".
وعندما سُئل عن الأعراض المحدّدة المرتبطة بالمتغيّرات المختلفة، أوضح البروفيسور سبيكتور كيف أنّ الإجابة ليست مباشرة، مشيرًا إلى أنّ الفيروس يتغيّر الآن مع متغيّر دلتا، ويتمّ تطعيم الناس، وهو ما يُغيّر الأعراض أيضًا".
وحول الأعراض الجديدة يلاحظ البروفيسور سبيكتور أنّ الناس يبلغون عن أعراض شبيهة بالبرد، مثل الصّداع وسيلان الأنف والعطس والتهاب الحلق، كما أنّ السّعال الجديد المستمر -أحد الأنواع الثلاثة التقليدية- أصبح الآن أقلّ شيوعًا، موضحًا أنّه يحتلّ المرتبة الخامسة بعد الأعراض الشبيهة بالبرد.
وفي الوطن العربي، أعلنت عدّة دول عربية عن إجراءات جديدة لمواجهة المتغيّر، وصرّح مسؤول بارز بوزارة الصحة العراقية أنّ سلالة "دلتا" دخلت البلد فعلياً، وأنّ المؤشّرات أثبتت وجودها من "خلال زيادة عدد الإصابات بين فئة الشباب وارتفاع عدد الموجودين في غُرف العناية المركزة في المستشفيات، حيث زادت من 300 إلى 500 حالة إصابة من الشديدة والحرجة في عموم البلاد".
وبعد استقرار في عدد الإصابات، سجّلت تونس ارتفاعًا ملحوظًا في انتشار الفيروس، وكان الرقم الأكبر يوم 26 يونيو/حزيران عندما تمّ تسجيل أكثر من 4600 إصابة في يوم واحد. ويزداد القلق في تونس بسبب ضعف حملة التّطعيم، إذ لم تتجاوز نسبة الملقّحين 3.9 بالمئة من عدد السكان يوم 24 يونيو/حزيران، فضلًا عن الإنتقادات الموجّهة للسلطات في الرعاية الصحية.
وفي الإمارات التي تسيّدت المنطقة العربية في عدد الملقّحين، وتجاوزت دولًا غربية كثيرة، (تجاوزت نسبة الملقّحين 71 بالمئة)، أكّدت السلطات الصحية أنّ سلالة دلتا منتشرة بالفعل في البلاد بنسبة 33.9 بالمئة، إلى جانب سلالة بيتا (33.9 بالمئة) وألفا (11.3 بالمئة).
كما يُثير انتشار هذه السلالة في دول أوروبية مخاوف بين الدول العربية التي تستقبل سيّاحًا أو جالياتها المقيمة في أوروبا، ومنها المغرب الذي تُشير أخبار إلى أنّ اللّجنة العلمية المكلّفة بتتبّع الفيروس تتابع الوضع عن قرب.
ويصل عدد الدّول التي اكتشفت فيها السلالة المتحوّرة إلى أكثر من 100 دولة، وزاد خطر السلالة عندما تحوّرت وأضحى هناك متحوّر "دلتا بلس" الذي ظهر في الهند مؤخّرًا، وتشير تقارير إلى أنّ هذا المتحوّر ظهر في دول أخرى خلال الأيام الماضية.
هنا نحن إزاء وضع لا نستدعي به الرّعب والتّشاؤم، بل نستدعي به أمرين رئيسيين:
الأوّل: عدم الرّكون للدّعة إزاء هذا الفيروس وعدم الإستهانة بأي إجراءات احترازية.
الثاني: الإعداد لمرحلة ربّما تكون طويلة من انتشار المرض تتطلّب إجراءات خاصّة ربما تصبح مستدامة لفترة كبيرة، وهو ما يتطلّب بُنية تحتيّة وتنظيميّة مختلفة، سواء فيما يتعلّق بالخدمات ونظم التّعليم عن بُعد والتّجمعات وأولويات الخدمات الصحية.
ربما نحن بحاجة لتخطيط على أُسس جديدة لمواجهة وضع مستجد يقع تحت بند الإستمرارية لفترة طويلة، ولا يقع تحت بند الطوارئ.