د. سحر حمود (استاذة في الجامعة اللبنانية)
في العديد من البلدان وخلال السنوات القليلة الماضية، اخذت تقانة المعلومات بالدخول والاندماج المتسارع في السيرورات التربوية والتعليمية ابتداءً بالفصول الدراسية، ومروراً بإقامة الجامعات الالكترونية، وانتهاءً بالتعليم عن طريق شبكات الانترنت. ولم يدخل لبنان ضمن هذه البلدان لاعتبارات عدة تتعلق بنظام التربية والتعليم فيه، وبقي حتى مرحلة ما قبل كورونا لا يعترف بنظام التعليم عن بعد الى ان حلّت هذه الأزمة وتطلبت إجراءات سريعة وموجزة في هذا الإطار. فكيف كانت اثار هذه الإجراءات على المؤسسات التربوية وكوادرها؟ وكيف استقبلها التلامذة والطلاب واولياء الأمور؟
في الواقع ومنذ الأسبوع الأول، فإن الجهات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالملف التربوي قد باشرت العمل وقدمت خطة سريعة لإبقاء التلامذة والطلاب في الجو التعليمي والفضاء الدراسي. وهذه الخطوة على الرغم مما يشوبها من ثغرات وعثرات الا انها قد تكون خطوة تأسيسية لرقمنة المناهج ولكن لا يمكن ان تكون بديلاً عن التعليم النظامي سواء المدرسي او الجامعي. ورافق إطلاق هذه المبادرات العديد من الحملات التي نادت بعدم فعالية التعليم عن بعد، وطالبت بإنهاء العام الدراسي وإعطاء الافادات مستندة الى مجموعة من استطلاعات الرأي التي طالت الطلاب، أولياء الأمور، الأساتذة والمعلمين. لا سيما وان هذه التجربة قد زادت من حدة مشكلة "عدم ديمقراطية التعليم" بالنظر الى التفاوت في تجاوب المؤسسات التربوية مع الإجراءات المعتمدة، فكان لبعض المؤسسات التربوية منصات الكترونية متخصصة، وأخرى اعتمدت على البث التلفزيوني الرسمي، ومن لا يملك الموارد اقتصر عمله على الوسائل التقليدية سواء الورقية منها ام تطبيقات الواتس اب واليوتيوب، ومنها من لم يبادر الى التواصل الهاتفي مع التلامذة لا سيما الحلقات الأولى منها، ناهيك عن تفاوت نجاح الخطة ما بين المناطق الميسورة وتلك المحرومة. ولكن هل هذه التجربة قد حققت اخفاقاً معيناً نتيجة عدم جهوزية المدارس للتعامل مع التعليم عن بعد؟ ام انها نتيجة ضعف خدمات الانترنت وعدم مجانيتها؟ ام الوضع النفسي للطلاب واولياء الأمور نتيجة الحجر؟ ام الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي نتج عن جائحة كورونا؟
ان تلك الأسباب قد شكلت عائقاً امام تقدم العمل في الخطة الموضوعة، لان الجميع كان ينادي بإنقاذ العام الدراسي بأقل خسائر ممكنة ولم يكن محور خطة الإنقاذ الطالب نفسه الذي يعتبر محور العملية التعليمية. هذا الطالب الذي حتى لو أنهى عامه الدراسي "بأقل خسائر ممكنة" سيعاني من تفاقم عزلته التربوية التي كانت موجودة قبل الازمة وهي صلب أزمته التوجيهية. فقبل ان نسعى الى تطوير مناهجنا التربوية رقمياً وتكنولوجياً وما يرافق ذلك من مهارات التفكير الناقد والابداعي والمبتكر، فهناك مهارات أولية أساسية يفتقر اليها تلامذتنا وطلابنا من مراحل التعليم الأساسية وصولاً الى المرحلة الثانوية، منها مهارة إدارة الوقت، اعداد برنامج دراسي، مواجهة التحديات وتحقيق الأهداف، معرفة أنماط التعلم والذكاءات المتعددة، تحديد الهوية الذاتية ومعرفة نقاط القوة والضعف فيها، مسارات التعلم وغيرها من المهارات التي تشكل جوهر عمل الارشاد التربوي في المدارس، والتي يجب ان تكون برنامجاً شاملاً متخصصا وملزماً لكل المدارس ضمن حصص توجيهية في البرنامج الأسبوعي. لو كان هذا البرنامج معتمداً ما قبل الازمة لساعد على زيادة نسبة تفاعل الطلاب واولياء الأمور مع خطة التعليم عن بعد، لان الطالب حينها سيكون قادراً على إدارة وقته وتنظيم تعليمه بعيداً عن الصرح المدرسي، ومتمكناً من التعامل مع توجيهات الأساتذة، ولديه دافع للانخراط في هذا البرنامج تحقيقاً لنجاحه وأهدافه المهنية المستقبلية، وليس حفاظاً على استمرارية التواصل مع الأساتذة والمدرسة.
ان الطالب في الواقع ليس محوراً للعملية التعليمية فحسب، بل هو شريك في هذه العملية. فكيف سنتعامل مع عزلته التربوية بعد عودته الى المدرسة؟ وهل ستكون هذه الازمة دافعاً لإقرار خطة ارشاد وتوجيه تربوي ومهني ملزمة لجميع المؤسسات التربوية الرسمية والخاصة؟ ام انه لن تكون هناك دروس مستفادة من هذه الازمة كما الازمات السابقة؟