إيهاب شوقي
إرتبط فيروس كورونا كما لم يعُد خافيًا، بالتّناقضات والألغاز، والتي لم تعُد قاصرة على الملاحظات الشخصية للشعوب ورصدهم لها، بل تخطّت ذلك للدّراسات العلمية التّابعة لمراكز بحثية موثوقة.
كما لم تقتصر التّناقضات على المنشأ فقط، بل تزامنت مع كلّ تحوّر للفيروس، ووصلت للّقاحات وفعاليتها وأعراضها الجانبية.
وهو ما أنشأ مناخًا من البلبلة، كان له انعكاساته السلبية على الشعوب، إما بالتّشاؤم والعيش في حالة من فقدان الثّقة والدّافع والخوف والكآبة، وإمّا من الإنسياق التّام لفكرة المؤامرة وبالتالي إهمال كافّة الإجراءات الإحترازية والعزوف عن تلقّي اللّقاحات.
وفي أحدث هذه المشاهد، حذّرت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة من أنّ لقاحات "كوفيد-19" قد تكون غير فعّالة بالنسبة لهم وشجّعتهم على اتّخاذ الإحتياطات كما لو أنّهم لم يتلقّوا التّطعيم.
وبحسب ما ذكر عبر موقع المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية، فإنّه "يجب نصح الأشخاص الذين يعانون من نقص المناعة حول احتمالية تقليل الإستجابات المناعية للّقاحات "كوفيد-19"، واتّباع تدابير الوقاية الحالية (بما في ذلك ارتداء قناع، والبقاء على بعد 6 أقدام من الآخرين الذين لا يعيشون معهم، وتجنّب الإزدحام والمساحات الداخلية سيئة التهوئة) لحماية أنفسهم من كوفيد-19 حتّى ينصح مقدّم الرعاية الصحية بخلاف ذلك".
فاوتشي غاضب من الإعلام:
وتزامنا مع ذلك، انتقد مستشار البيت الأبيض لشؤون كورونا أنتوني فاوتشي وسائل الإعلام التي تنشر معلومات مضلّلة عن اللّقاحات المضادّة لفيروس كورونا.
وأكّد فاوتشي أنّه "كان من المستحيل القضاء على مرض الجدري وشلَل الأطفال لو وِجد التّضليل الحالي حينذاك".
وجاء هذا التّصريح لـ"فاوتشي"، بعد ساعات من تجاذب بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ومجموعة "فيسبوك" التي اتّهمها بنقل معلومات مضلّلة حول اللّقاحات و"قتل الناس".
وقد أفادت التّقارير الأمريكية، بأنّ الشكوك الأولية في اللّقاحات في مناطق أمريكية عدّة، تحوّلت إلى مشاعر عداء، مع تضخيم الأخبار المناهضة للقاحات بنظريات مؤامرة تنشرها بشكلٍ منتظم وسائل إعلام محافظة.
حالة النيجر تشكّل لغزا:
وممّا يزيد الأمور حيرة وبلبلة، ما يتمّ رصده من ظواهر تسبّب الإرتباك البحثي لمنظّمات طبيّة، مثل حالة النيجر، حيث بقي الجناح الطبّي الرئيسي المخصّص لمرضى "كوفيد-19"في العاصمة النيجرية نيامي، خاليًا على مدار أشهر وقد تراكم الغبار على منشآت العزل في المدينة، حيث الكمامات لا وجود لها تقريبًا.
ويمرّ يوم بعد يوم دون أن يُصاب شخص واحد بالفيروس في النيجر، كما أنّ الطلب على اللّقاحات الواقية منه يبقى قليلا لدرجة أنّ الحكومة أرسلت آلاف الجرعات إلى الخارج.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورونال" الأمريكية تقريرًا ذكرت به أنّه، ومع بَداية تفشّي وباء كورونا، حدّدت منظّمة الصحة العالمية النيجر - التي تضمّ أعلى معدّلات المواليد والفقر في العالم - كواحدة من أكثر الدول عرضة لتفشي فيروس كورونا في القارة الإفريقية التي توقّعت الأمم المتحدة أن الفيروس سيقتل فيها الملايين.
وبعد أكثر من عام، أصبحت العديد من البلدان في إفريقيا في قبضة الموجة الثالثة من الوباء، مع تسجيل سلالات جديدة من الفيروس دفعت حصيلة الإصابات إلى مستويات قياسية.
لكن الأمر يختلف تمامًا في النيجر التي تكافح عددًا من التّحدّيات الاقتصادية والأمنية، ولكنها تبقى واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي نجت حتّى الآن من ويلات الجائحة.
وتناولت الصحيفة تعليلًا لذلك، بالقول أنّ من أبرز أسباب ذلك، مناخ النيجر الحار والجاف، والمسافات الكبيرة بين القرى وضعف الإتصال فيما بينها، إضافة إلى صغر سن سكان البلاد، وقالت الصحيفة أنّ هذه العوامل جعلت النيجر حالة دراسة معمّقة من قبل خبراء الفيروسات.
ما نستطيع رصده هنا واستخلاصه يمكن تلخيصه في أمرين نراهما في غاية الأهمية:
1- هناك مناخ من البلبلة وعدم اليقين يحيط بهذا الوباء، بداية من المنشأ، وصولًا للّقاحات، وهو ما يستدعي الحذر من الإنسياق للتّناقضات وما يستتبعه من الوقوع في شرك اليأس أو انعدام الثّقة التّام، والمطروح هو اتّباع ما هو متّفق عليه من إجراءات عامّة تتعلّق بالوقاية والإحتراز، باعتباره هو الشئ اليقيني المضمون.
2- حالة النيجر اللافتة رغم الفقر وقلة الإمكانات، تشي بأنّ الحياة الحديثة بما تتضمّنه من تزاحم وأنماط للغذاء والإعتماد التّام على وسائل التّرفيه والتّخلي عن نمط الحياة الصحي والبُعد عن الطبيعة، هو مناخ ملائم لانتشار الأوبئة وتفشيها وضعف المناعة البشرية.
وكلّ ما سبق يلفت النّظر لأهمية العودة للطبيعة وللنّشاط البدني والتّخلي عن كثير من أدوات الحداثة التي حيّدت النشاط الجسماني وأضعفت الأجساد وأنهكت المناعة، وساهمت في البلبلة وتشوّش الوعي، وليس المطروح بالطّبع مقاطعة العصر وأدواته، ولكن عدم الإفراط والسّماح لها بالتّغول على الطبيعة البشرية وتحويل الإنسان إلى أداة وهو مكمن الخلل الرئيسي في قدرة الإنسان على المقاومة والحماية الذاتية التي أمدّه الخالق بها.