إيهاب شوقي
قدّمت أحدث التّقارير الطبية العالمية صورة قاتمة للوضع الوبائي الدولي بسبب تحوّرات فيروس كورونا، وخاصّة المتحوّر "دلتا"، والذي أعاد الكثير من البلدان شهورًا عديدة إلى الوراء، بعد حالة انفتاح نسبي وشعور شعبي بالطّمأنينة على خلفية إنتاج أنواع مختلفة من اللّقاحات وتوفيرها بعدد معقول يمكنه تقليص الجائحة.
وهذه التّقارير تناولت الأوضاع في بلدان تكاد تكون قد أعلنت تخلّصها من الجائحة، أو على الأقل تحجيمها وإبقائها تحت السيطرة، مثل الصين، والتي أعلنت السلطات بها عن انتشار موجة جديدة من كورونا بدءًا من مطار نانجينغ، عاصمة مقاطعة جيانغسو بشرق الصين، إلى بكين و5 مقاطعات أخرى، تعتبر الأكثر انتشارًا بعد ووهان.
وأشارت وسائل الإعلام الصينية، إلى أنّه ومنذ اكتشاف أوّل حالة مؤكّدة للموجة الأخيرة في الـ20 من يوليو في مطار نانجينغ لوكو الدولي، تمّ الإبلاغ عن ما يقرب من 200 إصابة حتى صباح الخميس 29 يوليو.
وأوضحت التّقارير سرعة انتشار هذا المتحوّر، حيث قالت: "مقارنة بالموجات السابقة من عودة ظهور الفيروسات المحلية التي كانت تقتصر عادة على مدينة واحدة أو عدد قليل من المدن القريبة، حدث وباء نانجينغ في مطار دولي مزدحم، وسرعان ما نقل الرّكاب عبر الإقليم الذين يسافرون لمسافات طويلة الفيروس عبر البلاد.
وفي مؤشّر إلى قلق السّلطات في بلد تمكّن من السيطرة إلى حدّ كبير على الوباء، أصبح مئات الآلاف من الأشخاص يخضعون للعزل في مقاطعة جيانغسو وعاصمتها نانجينغ، بينما أجبر سكان المدينة البالغ عددهم 9,2 ملايين نسمة على إجراء فحصين.
وبعد أن تباهت الصين بنجاحها في احتواء الوباء داخل حدودها بعد فرض أوّل إغلاق عام في العالم في أوائل 2020، بعد ظهور كوفيد-19 في ووهان في وسط البلاد، عاد القلق مرة أخرى بسبب تفشي المرض بسبب سلالة دلتا سريعة الإنتشار وهو ما قالت التّقارير أنّه يضع سمعة الصين في خطر، ما قد يضعف موسم السياحة الصيفي في البلاد واستغلال العطلات.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل الأخطر، أنّه ثارت تساؤلات حول اللّقاحات، حيث نقلت وسائل الإعلام المحلية عن مسؤول طبي رفيع في المدينة قوله إنّ معظم مرضى نانجينغ الأوائل هم من المطعّمين، الأمر الذي دفع مستخدمي الإنترنت للتّشكيك في فعالية اللّقاحات المحلية.
وبالإنتقال إلى خصم الصين اللّدود، المتمثّل في الولايات المتّحدة الأمريكية، فقد أفادت التّقارير بأنّ متحوّر دلتا يستمر في الإنتشار في جميع أنحاء الولايات المتّحدة ويشكّل الآن أكثر من 80 ٪ من حالات الإصابة بفيروس كورونا في البلاد. وأشار تقرير صادر عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أنّ "التّطعيم هو أهم استراتيجية للوقاية من المرض الشديد والوفاة".
ورفع التأكيد على التطعيمات، فإنّ نسب الإصابات بين من تلقّوا اللّقاحات محبطة، حيث تُفيد الإحصائيات الأمريكية بأنّ حوالي 74 ٪ من 469 حالة COVID-19 المرتبطة بالتّجمعات الكبيرة التي عقدت في مقاطعة بارنستابل، ماساتشوستس، في الفترة من 3 إلى 17 يوليو كانت من بين الأشخاص الذين تمّ تطعيمهم بالكامل، وفقًا للبيانات الصّادرة يوم الجمعة 30 يوليو من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها . وأفادت البيانات بأنّ الأشخاص الذين تمّ تلقيحهم لديهم حمولات فيروسية عالية وقد ينقلون متغيّر دلتا بسهولة مثل أولئك الذين لم يتمّ تلقيحهم. كما خلصت دراسة جديدة إلى أنّ فعالية لقاح فايزر الأمريكي ضدّ المتحوّر الجديد من فيروس كورونا "دلتا" ليست بالقوة المطلوبة.
ولكن هل يعني هذا أنّ اللّقاحات لا جدوى منها؟
ربما هناك أراء متوازنة وحكيمة يمكن وضعها في الإعتبار، مثل ما قاله مستشار وزير الصحة لحالة طوارئ كورونا في إيطاليا، ڤالتر ريتشاردي، حيث قال "مع متحوّر دلتا الأكثر عدوى من فيروس كورونا، يمكن للمرء أن يُصاب اليوم بالعدوى حتّى لو تمّ تطعيمه".
مُضيفا أنّ شرائح العرض التّقديمي من الوكالة التي تمّ تسريبها أظهرت أنّ بحثًا غير منشور يُشير إلى أنّ متغير دلتا يسبّب مرضًا أكثر خطورة في الأشخاص غير المحصّنين وينتشر بسهولة مثل جدري الماء.
وأوضح ريتشاردي أنّ "هذا المتحوّر، يُمكنه أن يخترق دورة التّطعيم المزدوجة أيضًا، التي تمنح بعض الحماية ضدّ الأعراض الخطيرة والحاجة للإستشفاء، لكن المتحوّر يسبّب العدوى حتى لدى الأشخاص الذين تلقوا الجرعة الثانية من اللّقاح في 30-35٪ من الحالات، ناهيك عن جرعة واحدة".
وشدّد ريتشاردي على أنّ "الحاجة إلى التّطعيم بأسرع وقت ممكن، ترتبط أيضًا بحقيقة أنّه كلّما زاد تردّدنا، نترك إمكانية للفيروس لاختيار المتحوْرات التي لا تخترق مفعول اللّقاح وتنقل العدوى فحسب، بل تثقب درع الحصانة أيضًا"، مضيفًا: "في الوقت الحالي، ننظر بحذَر شديد إلى متحوّر "دلتا بلاس" المنتشر في الهند ومتحوّر "لامبدا"، الذي تمّ عزله في بيرو، والذي يقلقنا كثيرا".
يمكننا أن نخلص إلى أنّ هناك صراعًا محمومًا بين متحوّرات الفيروس واللّقاحات، وأنّ المطروح على الشعوب هو الإلتزام بإجراءات الوقاية والسّعي للأخذ بالأسباب ومنها اللّقاحات المأمونة والموثوقة كلّما أمكن، حتّى تنكشف هذه الغمّة وهذا الإختبار الصّعب.