إيهاب شوقي
في وقتٍ شهد إحصائيات مُقلقة أعلنتها منظّمة الصحّة العالمية، توالت التّقارير المسيّسة حول حرب الاستخبارات الأمريكية الصينية حول منشأ الفيروس، ممّا يشي بالهمّ الحقيقي للإدارة الأمريكية، والمنحصر في ملاحقة الصين وحصارها، بعيدًا عن التّفرغ للخلاص من أزمة دولية كبرى تكاد تعصف بالداخل الأمريكي نفسه!
فقد أعلنت منظّمة الصحّة العالمية أنّ عدد البلدان التي سجّل فيها متحوّر "دلتا" من فيروس كورونا، ازداد خلال أسبوع من 4 إلى 10 أغسطس من 135 إلى 142 بلدا، وأشارت في بيان لها، إلى أنّ متحوّر "ألفا" سجّل في 185 بلدا، ومتحوّر "بيتا" في 136 بلدا، ومتحوّر "غاما" في 81 بلدا.
وخلال الأسبوع من 2 إلى 8 أغسطس ازداد عدد الإصابات بفيروس كورونا في العالم بنسبة 4%، حيث تمّ تسجيل أكثر من 4.2 مليون إصابة جديدة بالفيروس، وارتفع عدد الوفيات بنسبة 2% مقارنة بالأسبوع الذي سبقه، حيث تمّ تسجيل أكثر من 65 ألف وفاة بفيروس كورونا.
وحتّى 11 أغسطس تمّ تسجيل 203 ملايين و944 ألفا و144 إصابة بفيروس كورونا منذ بَدء الوباء، وتوفي 4 ملايين و312 ألفا و902 مصاب جراء الفيروس.
ورغم ذلك، ظلّ الانشغال الأمريكي منصبًّا على العمل الاستخباراتي وقضية تحديد منشأ الفيروس، وقالت CNN إنّ وكالات المخابرات أنتجت نسخة أوّلية من تقريرها، تخضع للمراجعة حاليًا، لكن المسؤولين لم يتمكّنوا من تحديد موقف موحّد ولا يزالون مختلفين حول ما إذا كان فيروس كورونا قد تمّ تطويره بمختبر في مدينة ووهان الصينية أو أنّه نشأ بشكل طبيعي.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أشار في نهاية أيار/ مايو إلى أنّ المخابرات الأمريكية ليس لديها معلومات كافية لتحديد كيفية بَدء تفشّي فيروس كورونا على وجه اليقين، ووجه أجهزة المخابرات بمضاعفة الجهود لدراسة كافّة البيانات المتاحة وإعداد تقرير جديد له في غضون 90 يومًا.
وعلى الجانب الصيني، فقد نشرت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية تقريرًا كشفت فيه عن حيَل تتبعها المخابرات الأمريكية في اختلاق أصول الفيروسات لترويض منظّمة الصحّة العالمية.
ونقلت الصحيفة الصينية عن مصدر قريب من الملف، بأنّ دفع الولايات المتّحدة للتّحقيقات في أصول الفيروس كان لإيجاد نقاط ضعف في سياسة الصين بخصوص السيطرة على الوباء والتّخطيط لمواصلة الضغط على منظّمة الصحّة العالمية والعمل مع حلفائها من أجل تشويه سمعة الحكومة الصينية بزعم إخفاء الحقيقة حول منشأ الفيروس.
وأفاد مصدر الصحيفة، بأنّ الاستخبارات الأمريكية تحاول تجنيد شهود بين الأطباء والعلماء للحصول على بيانات حول بداية تفشي مرض "كوفيد 19" في ووهان.
كما ذكر المصدر الذي نقلت عنه الصحيفة أنّ المسؤولين يجمعون أيضا أدلّة لإثبات الثّغرات في عمل الصين لمكافحة الوباء، ويتطلّعون إلى معلومات مفصّلة حول مرضى COVID-19 وحياة السكّان قيد الإغلاق، وتوقيت التّشخيص وتحرّكات المرضى قبل الإصابة.
ووفقًا للمصدر ذاته فإنّ الخطوة التالية للحكومة الأمريكية هي مواصلة الضغط على منظّمة الصحة العالمية، مبيّنا أنّ الحكومة الأمريكية ستتواطأ مع حلفائها ووسائل الإعلام لقمع الصين، في محاولة لاتهام الحكومة الصينية بـ "إخفاء حقيقة أصول الفيروس".
وقالت الصحيفة أنّ علماء الفيروسات الصينيون وكذلك الخبراء في الشؤون الأمريكية، يعتقدون أنّ التّحقيق في أصول الفيروس أصبح أداة مهمّة للولايات المتّحدة لمهاجمة الصين وتشويه سمعتها وقمعها سياسيًا، مؤكّدين أنّه بالنّسبة للولايات المتّحدة لا علاقة للأمر بالعلم.
وفي تصريح لصحيفة "غلوبال تايمز"، قال عالم الفيروسات بجامعة ووهان يانغ تشجانتسيو، إنّ تصرفات الاستخبارات الأمريكية تظهر أنّ نوايا بايدن للتّحقيق في منشأ فيروس كورونا هي سياسية بحتة وليست علمية.
كما نقلت الصحيفة عن خبير أجنبي مقرّب من الفريق المشترك بين منظّمة الصحّة العالمية والصين لصحيفة أنّ التّحقيق الذي استمرّ 90 يومًا من قبَل إدارة بايدن حول أصول الفيروس هو حملة سياسية منسّقة.
هنا نحن إزاء حالة مفادها، مزيد من التّحور والانتشار للفيروس، ومزيد من الارتباك للعلماء حول فاعلية اللّقاحات ومزيد من الاستهداف السياسي غير العلمي، وهي حالة غير إيجابية، لن تؤدي إلّا إلى زيادة انتشار الوباء وتفاقم تداعياته السياسية والاقتصادية.
وإذا أضفنا لهذه الحالة، انتشار الحرائق بشكلٍ مشبوه وتركيز الأضواء على تغيّر المناخ، واستهداف الصين باعتبارها من أكبر المستهلكين للوقود الأحفوري ومحاولة حصار قلعتها الصناعية عبر قضية المناخ، فإنّ الشكوك تزداد أكثر في التقارير الدولية ومصداقيتها.
هنا يمكن أن تكتسب نظرية المؤامرة بخصوص التغيّر المناخي ومنشأ كورونا أرضية جديدة وأنصار أكثرـ مع التّعاطي الدولي لقضية صحية وإنسانية خطيرة بكلّ هذا القدر من التّسييس والذي لا يقتصر على المنشأ، وإنّما يشمل حرب اللّقاحات وتوزيعها وتضارب التّقارير حول جدوى الإغلاق من عدمه ..الخ..
والمطروح على الشعوب قبل كل شيء، هو الاحتراز و الالتزام، كما ننصح دائمًا، باعتباره الشيء الوحيد المُتاح والمضمون وسط هذا المناخ الضبابي والمشبوه.