عادل الجبوري (كاتب وصحافي – العراق)
في الرابع والعشرين من شهر شباط / فبراير الماضي، اي قبل حوالي شهرين ونصف، تم الاعلان عن اول حالة اصابة بفيروس كورونا في مدينة النجف الاشرف (180 كم جنوب العاصمة بغداد)، وخلال هذه الفترة بلغت الاصابات المؤكدة بالفيروس، وفق تقارير واحصائيات وزارة الصحة العراقية، حتى كتابة هذه السطور (2431) حالة اصابة، بينما بلغ مجموع حالات الوفاة (102)، فيما كان العدد الكلي لحالات الشفاء (1571)، ومقارنة بمجموع عدد سكان البلاد البالغ حوالي ثمانية وثلاثين مليون نسمة، تعد نسبة الاصابات قليلة جدا، في حين تراجعت نسبة الوفيات الى عدد الاصابات من 10% في بادئ الامر الى 4.1%.
وبحسب الارقام التي تعلنها منظمة الصحة العالمية بشكل مستمر، فان العراق يأتي في مرتبة متأخرة من حيث عدد الاصابات والوفيات على الصعيدين العربي والاقليمي، وكذلك على الصعيد الدولي.
هذه الصورة الاجمالية لعموم المشهد الصحي بالعراق في ظل وباء كورونا، تنطوي على جوانب ايجابية الى حد كبير، ساهمت عوامل متعددة في ايجادها وبلورتها، لعل من بينها الاجراءات المبكرة التي اتخذتها الجهات الحكومية الرسمية، من قبيل تشكيل خلية الازمة الحكومية برئاسة وزير الصحة استنادا الى الامر الديواني (55) الصادر في منتصف شهر شباط/فبراير الماضي، ومن ثم اعلان حظر التجوال الشامل في السابع عشر من شهر اذار/مارس الماضي، وتعطيل دوام المدارس والجامعات ومختلف المؤسسات الحكومية عدا الضرورية جدا منها، واغلاق المطاعم والمحال التجارية والمقاهي والحدائق العامة، واغلاق اماكن العبادة والحدود وايقاف حركة الطيران من والى البلاد وتعليق الزيارات للمراقد الدينية المقدسة، فضلا عن منع السفر والحركة بين المحافظات الا للحالات والظروف الاستثنائية الحرجة.
الى جانب ذلك، فقد تم التوجه السريع الى تخصيص الكثير من المراكز والمؤسسات الصحية لاستقبال المصابين بفيروس كورونا، وكذلك تخصيص الاماكن المناسبة لعمليات الحجر للملامسين، والاتجاه الى عمليات الفحص الميداني للمناطق التي تظهر فيها عدة حالات اصابة، فضلا عن التواصل والتنسيق المستمر مع الجهات المعنية المختصة في بعض البلدان الاخرى مثل الصين وايران، ومنظمة الصحة العالمية من خلال فرقها المتواجدة في العراق.
وتؤكد مجمل الدراسات والتقييمات أن أليات التباعد الاجتماعي التي اتبعتها الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في المحافظات العراقية اتت بنتائج ايجابية مرضية، رغم انه كانت هناك استثناءات من اجراءات حظر التجوال للملاكات الصحية والاعلامية والامنية، ورغم انه كانت هناك الكثير من الخروقات لاجراءات الحظر وعدم التقيد بتعليمات الجهات الصحية عند الخروج الى الاسواق وبعض الاماكن العامة، ناهيك عن اقدام البعض على اقامة مجالس العزاء وحفلات الاعراس والولائم بحضور اعداد غير قليلة من الناس، وبالتالي كسر قواعد وضوابط التباعد الاجتماعي.
ولعل أبرز مؤشرات التعاطي الايجابي مع وباء كورونا في العراق هو ارتفاع نسب شفاء المصابين قياسا الى اعدادهم الكلية، في مقابل انخفاض نسب الوفيات، دون ان يعني ذلك زوال الخطر، وحتى اجراءات تخفيف حظر التجوال الاخيرة، خضعت لقيود ومحددات صارمة الى حد كبير.
وما ينبغي الاشارة اليه هنا هو أن وباء كورونا القى بظلاله الثقيلة على الواقع الاقتصادي والحياتي في العراق، كما هو الحال مع مختلف بلدان العالم التي اصابها الوباء، فالى جانب الاثر الكبير لانخفاض اسعار النفط نتيجة تراجع الطلب العالمي عليه في الاسواق، فإن اجراءات وضوابط مواجهة كورورنا تسببت بتوقف عمل اصحاب الدخل اليومي المحدود من سائقي سيارات الاجرة والعاملين في المطاعم والمتاجر ومشاريع البناء، وكذلك توقف حركة السياحة الدينية والسياحة الترفيهية بصورة تامة.
وبينما بات شعار (خليك بالبيت) ايقونة في كل مكان، فان ضعف وبطء الخطوات الحكومية المتخذة لمساعدة واعانة الفئات الاجتماعية المتضررة من تبعات وباء كورونا، قابله انتشار حملات الدعم الانساني التي تبنتها اوساط دينية واجتماعية مختلفة على نطاق واسع، بحيث كان لها الدور الكبير في معالجة جزء من المشكلة والتخفيف عن كاهل الاف العوائل، لا سيما ذات المستوى الاقتصادي المتدني.