إيهاب شوقي
تعكس سخرية الشّعوب وتداولها للرّسوم الكاريكاتورية وإيجازها الشديد للأوضاع في ما يُعرف بـ"النُّكتة" خلاصة فهمهم وقناعاتهم، وهو ما لخّصته دراسات أدبية وتراثية هامّة رصدت وعي وتعبير الشعوب.
وهذه الأيام وبمناسبة اقتراب العام الدّراسي الجديد وموسم دخول المدارس، يتمّ تداول رسوم ساخرة في مصر، حول نيّة الحكومة تأجيل إعلان دخول الموجة الجديدة لفيروس كورونا، لما بعد دفع مصروفات الدّراسة، وذلك لضمان تحصيلها وبعد ذلك يمكن إعلان الإغلاق على غرار ما حدث في العام الماضي.
وما حدث في العام الماضي يبدو أنّه لا يزال عالقًا بذاكرة أولياء أمور الطّلاب، حيث أُعلن الإغلاق، ثمّ فتح المدارس دون حضور لمعظم الطّلبة ودون عقوبات من وزارة التّعليم وكأنّها مباركة لعدم الحضور وتوفيرًا للحرج على الوزارة التي لم تكن تريد الإعلان صراحة عن الإغلاق بسبب تحصيل المصروفات كاملة وعدم توفّر نيّة جادة لردّ هذه المصروفات.
وهذا سبب أعباء مضافة لأولياء أمور الطلبة، حيث تمّ الإعتماد كليًا على الدروس الخصوصية وبشكلٍ جبري لا اختياري، إضافةً إلى مصروفات مضافة للتّعليم عن بعد.
إلّا أنّ الظاهرة الأكثر حساسية، هي وجود الطلبة وخاصة الأطفال في البيوت وما يتطلّبه ذلك من أعباء على الوالدين والإلتزام بوجود أحدهما على الأقل في المنزل، وسط طبقات تعتمد على عمل الوالدين، ناهيك عن تشوّه الحالة النفسية للأطفال تعتبر المدارس لهم متنفّس يتخطّى نطاق التّعلم لنطاقات أخرى كالإختلاط والتّواصل الاجتماعي وتشكيل الشخصية.
هذه التجربة ربّما مرّت بأقلّ الخسائر بسبب التّعاطي معها باعتبارها استثنائية، ولكن عدم وجود حلّ جذري لمشكلة الوباء ونذر وجود موجات أكثر شراسة في العدوى وصدور تقارير علمية تشي بأنّ الأطفال أصبحوا أكثر عرضة للإصابة مع المتحوّرات الجديدة للفايروس بعكس النّسخ السابقة، هو ما يهدّد العام الدراسي الجديد ايضًا.
وتتضاعف الأزمة في بلدان أخرى تُعاني أزمات حادّة مثل لبنان، بسبب أزمات التّنقل والوقود والأزمات المعيشية التي تسبّب بها الحصار وهو ما يضيف للأزمة أبعادًا أخرى أكثر شراسة وخطورة.
هنا نحن إزاء مشكلة مركبة، تتداخل بها الأزمات الاقتصادية والمجتمعية والنّفسية والتّربوية، نظرًا لأهمية المدارس ودورها النّفسي والتّربوي المضاف لدورها التعليمي.
ومع اعتراف المنظّمات الصحيّة العالمية بأنّ اللّقاحات ليست حلًّا كاملًا للحماية من العدوى، فإنّ هناك مشكلات تتعلّق بضرورة الإلتزام بإجراءات الإحتراز والتي لا تقع مسؤوليتها فقط على عاتق الطلاب، بل الجزء الأكبر بها يقع على عاتق الحكومات، والتي يجب أن توفّر إجراءات ملزمة بالتّباعد وهو ما يصعب توفيره في مدارس تشهد اكتظاظًا في عدد الطلاب بسبب عدم تناسب أعداد المدارس مع أعداد الطّلاب وعدم توفّر ميزانيات لائقة بالتّعليم وتأخّره في سلّم أولويّات العديد من الدّول العربية. وكذلك هناك صعوبة في السيطرة على أطفال لايتوفّر لديهم الإستيعاب الكافي للوباء وضرورة التّباعد المعاكس لفطرتهم التي تقودهم للإختلاط واللّعب والإحتكاك المباشر.
لا شكّ أنّ هناك سؤالًا كبيرًا يدور في أذهان كلّ أسرة حول مستقبل العام الدراسي الجديد وهو العام الثاني في زمن كورونا، مع وجود ذكريات سيئة خلّفها العام الأوّل الماضي!