(إيهاب شوقي \كاتب صحافي مصري)
انتشر في الآونة الاخيرة مصطلح "التعايش مع كورونا" والذي بدا كنغمة يائسة من زوال سريع في المدى المنظور لهذا الوباء وما يحيط به من مناخ يتميز بالاغلاقات الاقتصادية والحجر المنزلي والتدابير الوقائية، ناهيك عن مناخ القلق والرعب لدى قطاعات شعبية واسعة في مختلف انحاء العالم.
وربما تم تدشين المصطلح تزامنا مع تصريحات مدير معهد الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية، جين تشي، بأنه "من المحتمل جدا أن يكون كورونا وباءً يتعايش معه البشر لفترة طويلة، ويصبح موسميا ومستمرا بالتواجد داخل الأجسام البشرية"، ليرسخ فكرة التعايش مع الوباء.
وتزامنا ايضا مع تحذير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في مؤتمر صحفي في جنيف والذي قال فيه: "الجائحة أبعد ما تكون عن الانتهاء"، مضيفا أن المنظمة قلقة إزاء تزايد منحنى الإصابة بالفيروس في إفريقيا وشرق أوروبا وأميركا اللاتينية وبعض الدول الآسيوية.
وتابع قائلا: "أمامنا طريق طويلة والكثير من العمل".
وربما ما كرس ايضا المصطلح وجعله يتحول حثيثا الى امر واقع، هو تأخر اكتشاف لقاحات ناجحة وارتباك ظاهر في التصريحات العلمية بشأن الفيروس وعلاجه.
ربما يشجع فكرة التعايش ايضا الكثير من الحكومات التي ادى الاغلاق الاقتصادي الى ازمات كبيرة لها، وتتساوى في ذلك الاقتصادات الكبرى بسبب الانكماش الطارئ عليها، مع الاقتصادات الصغيرة والتابعة والتي تعتمد على الريع وعلى استيراد احتياجاتها الاساسية.
الدفع الحكومي للتعايش، يرمي الكرة في ملعب الشعوب ويجعل التعايش على عاتق المواطن والتزامه بالتباعد الاجتماعي والتدابير الوقائية، ولسان حال الحكومات الان هو ان انتقال العدوى هو مسؤولية الافراد وليس الحكومات.
بينما هناك جانب اخر من التعايش مسكوت عنه وهو على عاتق الحكومات.
وكما تهمل الدول الشعوب عند الحديث عن مفهوم الدولة واحترام سيادتها، ان الشعب مكون رئيس من مكونات الدولة، فتقوم الدول بحصر تعريف الدولة على المؤسسات وخاصة السيادية دون اعتبار المكون الشعبي لتعريف الدول، فإنها ايضا تهمل مسؤولية الدولة في هذا المصطلح الجديد الخاص بـ"التعايش مع كورونا".
المسؤولية هنا جامعة، فكما على الشعوب مسؤولية الوعي والالتزام، فعلى الدول مسؤولية توفير المناخ والمقومات التي تساعد الشعوب على الالتزام.
فهناك مسؤولية اقتصادية بتغيير نمط الاقتصاد التابع، واعادة الاعتبار لمفهوم الانتاج والاكتفاء الذاتي، وهناك مسؤولية اعادة ترتيب الاولويات والتركيز على الجوانب الخدمية والصحية.
وهناك مسؤولية التعامل بروح الازمة والتي تتطلب الكف عن الفساد والنهب والدسائس السياسية ومحاولة استغلال الازمات سياسيا لمآرب ذاتية.
التعايش مع كورونا لو اصبح امرا واقعا، فهو مسؤولية جماعية لا يجب ان تبقى كرتها في ملعب الشعوب فقط.