(أحمد فؤاد \ صحافي مصري)
بالتّمني حينًا، وبالدّعاء أحيانًا، بل وبالضّراعة في أغلب الأحيان، تخوض كلّ الشعوب العربية معركتها ضدّ المتحوّر الجديد من فيروس كورونا، دلتا، بعد أن فشلت بالفعل في اختبارها الأصلي أمام الجائحة، وبات عبور المنزلق الخطير الحالي أمرًا مشكوك فيه.
في الصحّة كما في الاقتصاد والسياسة، تواصل الأنظمة العربية الحاكمة، بسيف القهر ونار البطش، كتابة فصل جديد مع الفشل الأسطوري، في مواجهة فيروس بات العالم أخيرًا على طريق التّعامل معه كماضٍ، بينما لا نزال نتعامل معه كواقع يومي، أو موت يومي بشكلٍ أدقّ.
بَداية، فإنّ الحكومات العربية كلّها، فشلت في استغلال فرصة "فيروس كورونا"، والتي كانت منحة إلهية لإعادة بناء الثّقة، مع مجتمعات لا تَعتبر الموت جرمًا أو نقيصة، لكنّها في الوقت ذاته تَعتبر الفشل وقلّة الكفاءة وانعدام المسؤولية كلّها تنمّ عن غباء بشري نادر، إذا ما اجتمعوا في شخصّ واحد.
الدول العربية، الكبيرة منها قبل ذات المساحة الجغرافية المحدودة، تعتمد تمامًا وبشكلٍ كامل على هيكل اقتصاد ريعي متخلف، ورثته من حقبة الإستعمار الأوروبي، بين البترول والسياحة تقف الدولة العربية كافّة في مرحلة الإعتماد الكامل، ولا تتجاوزها إلّا بنسب بسيطة، جاء اختبار كورونا ليكشف سقوط الجميع في حبائل القروض والعجز والخيبة.
في حال دولة مثل مصر، خاضت سباق التّصنيع بخطوات متسارعة بَداية من 1952، جاءت الردة الساداتية الشهيرة في منتصف السبعينات، لتُعيد البلد عقودًا، أو قرونًا، للخلف ولأسفل، ودمّرت نظم كامب ديفيد المتعاقبة الشواهد الصناعية الضخمة، التي تركتها ثورة يوليو، دليلًا حيًا على القدرة والإمكانيات العظيمة لكلّ بلد عربي، إن أراد الفعل.
ومع قدوم الفيروس، لم يكن لدى الدولة خطوط دفاع، لا ثقة شعبية تعزّز موقفها، ولا مستشفيات على درجة من الجاهزية والقدرة لاستقبال الحالات الكثيفة في بلد يتمدّد فيه الفقر كما يتمدّد ألف ثعبان في الرّمل، بل جاءت والبوم ينعق على تلال خرائب تُدعى زورًا مستشفيات، والفئات المحظوظة كانت إمّا تمتلك تكاليف العلاج المرتفعة، أو يوفّر لها انتسابها لخدم الأنظمة خدمات لا تقدّم للمواطن العادي، فسواء كنت في الجيش أو الشرطة أو القضاء، فالمستشفى موجود وجاهز، والأكسوجين لا ينضب، والأطباء ينتظرون الحالات القليلة التي ترد إليهم بمنتهى النشاط والدأب.
إمّا إن كنت مواطنًا مصريًا وفقط، فالأفضل أن تبحث مبكّرًا في إعلانات المدافن الجديدة، فالموت صار التجارة الأكثر ربحًا في مجتمع يموت ببطء.
الأخبار التي تعلنها وزارة الصحة المصرية، ووزيرتها التي لا تختلف عن رئيسها، مثيرة للضحك والشّفقة، في آن، لا مصداقية أو احترافية حتى في الكذب، رغم إنّه من البديهي أنّ أولاد كامب ديفيد يولدون كذبة على فطرتهم، خلال الشهر الجاري أيلول/سبتمبر أعلنت الوزيرة عن وصول متحوّر دلتا إلى مصر في شهر تموز/يوليو الماضي، رغم أنّ للوزيرة عشرات التّصريحات تنفي تمامًا وصول المتحوّر إلى البلاد!
الأرقام المعلنة عن الوفيات هي الأخرى تصعق من كان يتمنّى تعاملًا أفضل في ملف يتعلّق بالحياة والموت، البيان اليومي لوزارة الصحة المصرية لا تزيد حالات الوفيات به عن أصابع اليدين في أغلب الأوقات، لكن الكشف عن التّضليل المتعمّد جاء من هيئة رسمية أخرى، مختصّة بالتّعداد والإحصاء.
الجهاز المركزي للتّعبئة والإحصاء (حكومي)، خرج في بيان رسمي نهاية شهر آب/أغسطس، بمفاجأة مدوية عن العدد التقريبي لوفيات كورونا، قال الجهاز في بيانه الصادم إنّ الوفيات في مصر ارتفعت بنسبة 31.3%، في النّصف الأول من العام الجاري 2021 مقارنة مع الفترة ذاتها من 2019، أي قبل تفشي الفيروس.
أضاف الجهاز المزيد من التأكيد، بالكشف عن زيادة النّسبة المروّعة 14.9% في النّصف الأوّل من العام الحالي عن نفس الفترة من العام الماضي 2020، وأوضح التقرير الكارثي أنّ عدد الوفيات قفز من 292.123 في الأشهر الستّة الأولى من 2019 إلى 383.651 في النّصف الأوّل من 2021، بينما تقول الحكومة إنّ عدد الوفيّات بسبب فيروس كورونا طوال عامين كاملين يبلغ 16 ألف فقط لا غير.