إيهاب شوقي
مع كلّ تصريح لمدير المعهد الوطني الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، تتجدّد الشكوك ويُثار الجدل عبر تاريخ ليس بالطويل مع الجائحة، إلّا أنّه ثري بكلّ ما يُريب!
وفي أحدث تصريحاته، يقول فاوتشي، أنّ التّطعيم الكامل ضدّ عدوى فيروس كورونا "كوفيد-19" يمكن أن يتطلّب 3 جرعات.
وأضاف، خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض: "عليّ أن أؤكّد إنطلاقا من خبرتي في علم المناعة أنّني لن أكون مستغربا على الإطلاق من أنّ النظام المناسب الكامل للتّلقيح سيتكون على الأرجح من 3 جرعات".
ويمكن اعتبار ما قاله توقّعا علميًا بريئًا، لولا أنّه حدّد اللّقاحات، حيث وأوضح فاوتشي أنّ هذا الأمر قد يخصّ على الأقل اللّقاحات المبنيّة على الحمض النّووي الريبوزي الرسول (mRNA)، وهي التي ينتمي إليها لقاحا "فايزر"/"بيونتيك" و"موديرنا".!!!
وقد جاء هذا التّصريح في الوقت الذي تستعدّ فيه إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إطلاق حملة للتّلقيح بالجرعات المعزّزة في الولايات المتحدة الأسبوع المقبل.
ومصدر الريبة هنا، هو أنّ فاوتشي له تصريحات جدلية كبيرة وتاريخ من التّسييس، بدأ من الصدام مع الرئيس السابق ترامب، وصولًا إلى طرح سائد بأنّه ينحاز للديمقراطيين، وأنّه قام على تسييس الجائحة، إلّا أنّ الأخطر وما يهمّنا هنا هو تسييسه للّقاحات.
في العام الماضي، استقبل مدير المعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية، أنتوني فاوتشي، نبأ لقاح للوقاية من فيروس كورونا تطوّره شركة فايزر باعتباره "أمرًا عظيمًا" وقال إنّ الولايات المتّحدة قد يكون لديها جرعات لقاح جاهزة قبل نهاية العام.
وفي مقابلة مع شبكة "سي.إن.إن" الإخبارية، قال فاوتشي إنّه يعتقد أنّه سيبقى في منصبه الحالي في الوقت الراهن وليس لديه نيّة لترك موقعه.
بينما قال فاوتشي إنّه " يشكّ بشدّة" في قدرة الروس إثبات أنّ لقاحهم آمن وفعّال. ورفضت موسكو هذه المخاوف باعتبارها "نابعة من الغيرة". وقال المسؤولون عن تطوير اللّقاح إنّهم سينشرون بياناتهم في مجلة علمية دولية بارزة.
المفارقة الأغرب، أنّ فاوتشي كان قد هاجم لقاح فايزر، ثمّ عاد وتراجع عن انتقادات وجّهها إلى الهيئة البريطانية المنظّمة للدّواء، بعدما قال إنّها تسرّعت في الموافقة على لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد.
وجاءت تصريحاته بعد يوم على إعلان بريطانيا موافقتها على لقاح "فايز" و"بيونتك" المضاد لـ"كوفيد 19"، لتصبح أوّل دولة في العالم ترخّص لتعميم استخدام اللّقاح، وأثار ذلك بعض الشكوك لدى الدول الأوروبية المجاورة وتلميحات بالتسييس.
وقال فاوتشي وقتها، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي): "لديّ ثقة كبيرة بما تفعله بريطانيا علميًا ومن وجهة نظر هيئة منظّمة".
وأضاف أنّ "الإجراءات لدينا تستغرق وقتًا أطول مقارنة ببريطانيا. وهذه حقيقة فحسب"، مضيفًا: "لم أقصد التّلميح إلى أي إهمال رغم أنّه فُهم كذلك".
ناهيك عن تصريحات فاوتشي التي نقلتها الإيميلات المسرّبة مثل ما كان يقول لزملائه أنّ الكِمامة لا تفيد. وأنّ الفيروس مصنّع بالصين. وأنّ الهادروكسي كلوركين فعّال ضدّ كورونا.
هنا لا نريد الذّهاب للدّعوة بتصديق وقبول نظريّات المؤامرة التي ألقت الإتهامت على فاوتشي وبيل جيتس بالتربّح من الجائحة، ولكنّنا نلقي الضوء حول التّداعيات السلبية لتضارب تصريحات شخص بحجمه ورتبته العلمية!
وبلحاظ ما أعلنته منظّمة الصحّة العالمية من أنّ 13 دولة فقط من دول إفريقيا نجحت في تنفيذ المهمّة المطروحة من قبل المنظّمة وهي تطعيم 10% من سكّان كلّ من هذه الدّول ضدّ فيروس كورونا حتّى نهاية هذا الشهر.
وما قالته ماتشيديسو مويتي، المديرة الإقليمية لمنظّمة الصحّة العالمية في إفريقيا، مؤخّرًا، من أنْ هدف تطعيم 40% من سكّان إفريقيا ضدّ فيروس كورونا بحلول ديسمبر القادم يبدو بعيد المنال، مشيرة إلى أنّ حظر التّصدير وتخزين اللّقاحات يؤدّيان إلى إبطاء إيصال اللّقاحات إلى إفريقيا.
فإنّ تصريحات فاوتشي ستعمل على تعميق الأزمة في الدول الفقيرة وعدم وصول المزيد من اللّقاحات لها، وهي صورة أخرى من صور المناخ الضبابي والمسيس لهذه الجائحة الغامضة.