(أحمد فؤاد \ صحافي مصري)
يواصل المجتمع المصري الرّحلة القسرية والمريرة مع جائحة كورونا، شاء أم أبى، وبات على المجتمع كلّه، أن يدفع من حاضره ومستقبله ثمنًا للزّيف الذي رأيناه شعار الحكومة الوحيد في التّعامل مع أزمة كبرى، تتعلّق بالحياة الإنسانية ذاتها، ثمّ لا يكون الموت في هكذا بلد ثمنًا وحيدًا للمعاناة، بل يعاني الأحياء الأمرّين في مداراة الخرق الذي اتّسع على الراتق.
هزمنا فيروس كورونا، كشف مكامن الضّعف والإهتراء في بِنية المجتمع المصري، والدّولة العاجزة، دولة المكافأة والنّفاق، التي جاءت من رحم أزمة، وتُصادف في كلّ يوم تقريبًا كارثة جديدة، تُجيد ببلاهة مطلقة تحويلها إلى مأساة جديدة، وشاملة، ففشل نظام الحكم في أن يحقّق للمجتمع المصري الوحدة المطلوبة، وحدة الهدف والأولويّات على الأقل.
في وسط حديث الشّجون عن كورونا ومعدّل الوفيات المرتفع، والرّعب القادم مع نسائم الشتاء بانتشار السلالة الجديدة "المتحوّر دلتا"، اختارت الحكومة المصرية أن تحلّ الأزمة على طريقتها المفضّلة، بإصدار تقرير التّنمية البشرية 2021، والذي يعدّ الإصدار الأوّل للتّقرير منذ ما يزيد على 11 عامًا كاملة، استعرضت فيه ما تقول إنّه إنجازات في القطاع الصحي والطبّي بمصر.
التّقرير الذي صدر بإشراف برنامج الأمَم المتّحدة الإنمائي، وعبر وزارة التّخطيط المصرية، جاء تحت عنوان براق "التنمية حقّ للجميع.. مصر المسيرة والمسار"، وجاء على طريقة أكتب موضوعًا تعبيريًا خياليًا عن إنجازات الحكومة، التي لا يراها أحد على الإطلاق.
الغريب في التّقرير الأحدث، والمفترض أنّه الأشمل لوضع قطاعات عديدة في مصر، أنّ أرقامه جاءت صاعقة، تكسر وتكذب كلّ ما قيل في مقدّمته عن جهود وإنجازات ونجاحات، وهكذا كلمات لم يكشف التقرير رقمًا واحدًا صحيحًا عن أي منها.
في البَداية، كان عدد سكان مصر في العام 2010، حين صدر آخر تقرير للتّنمية البشرية نحو 84 مليون مواطن، ارتفع خلال عام 2021 إلى 104 مليون شخص، في المقابل فإنّ كلّ الخدمات الصحية قد تراجعت كنسبة مئوية لعدد السكان، ولم تشهد المستشفيات العامّة التي تلجأ إليها الأغلبية الفقيرة، في بلد فقير، أي زيادة، سواء في الإمكانيات التي تتراجع عامًا بعد الآخر، أو في عدد الأسرّة لاستيعاب المزيد من المرضى.
في ظلّ الإنتشار الكارثي لفيروس كورونا، كان عدم تحويل الإنفاق على الصحّة إلى أولوية أولى تفوق بناء مدن الرّمال والسواحل التي تبتلع الموازنة العامّة للدولة والقروض الداخلية والخارجية، وإنشاء وحدات جديدة تستوعب زيادة السكان أولًا، وتغطية احتياجاتهم، ثمّ التّعامل مع الأزمة الناشئة الجديدة، يندرج تحت توصيف كلمة قتل عمد بالطبع.
قال التقرير الحكومي –الرّسمي- إنّ عدد أسرّة المستشفيات الحكومية في مصر تراجع من 99.2 ألف سرير في 2010، إلى 95.6 ألف سرير في 2018، رغم الإرتفاع في المتردّدين على المستشفيات من 86 ألفًا في 2010 إلى 135.5 ألف في 2018.
وفي الخدمات الطبية بشكلٍ عام، تراجعت وتيرة إنفاق الدولة على وحدات الصحة الأوّلية ومراكزها، والتي تنتشر في المدن والقرى المصرية كافّة، لتتراجع تغطية الوحدات لكل 100 ألف مواطن من 6.2 في 2010 إلى 5.6 في 2017.
إضافة إلى صرف الإهتمام عن إنشاء مستشفيات جديدة، وتطوير المستشفيات القائمة بالفعل، والتي تُعاني من إهمال جسيم لا يجعلها في الغالب صالحة لتقديم خدمة صحية آدمية، تراجع الإنفاق على قطاع الصحة بشكلٍ عام من 1.6% في الموازنة العامّة للدّولة 2015/2016 إلى 1.2% في موازنة 2019/2020، رغم الإرتفاع القياسي في أثمان المستلزمات الطبية والأدوية والأجهزة، عقب قيام الحكومة بتحرير سعر صرف الجنيه المصري في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، لترتفع كلّ أسعار ما هو مستورد بقيمة الضعف أو يزيد.
ورغم أنّ الدستور المصري نصّ بشكلٍ قاطع على توجيه 3% من الموازنة العامّة للدولة إلى القطاع الصحي وحده، إلّا أنّ التّحايل الحكومي مستمر بتحميل موازنة الوزارة جزء من الإنفاق على خدمة القروض الأجنبية، وكأنّ الفقير الذي يحاول الحصول على خدمة صحية هو لا يملك ثمنها بالأساس أصبح مجبرًا على سداد تكاليف "مونوريل العاصمة الإدارية الجديدة" للسّادة المليارديرات في مفارقة صارخة ونهائية عن توجّهات حكومة لا تعرف إلّا الفشل، وتقود شعبًا إلى الضّياع.