أحمد فؤاد
عبَر العالم، أو يكاد، الموجة الرابعة من جائحة فيروس كورونا، بتكاليف باهظة للغاية، لكن التّعايش مع الفيروس القاتل واعتباره جزءاً من الحياة اليومية الإعتيادية صار هو حائط الصدّ الأوّل في كلّ إستراتيجيات دول العالم للمواجهة، مع العمل الدّؤوب لتوفير اللّقاحات وإتاحتها للبشر، بما يعنيه من تقليل الخطورة في الشهور والسنوات المقبلة.
ما يزيد عن 5 ملايين إنسان قضوا بسبب الفيروس، وعدد أكبر من الملايين قضى في الدّول المتخلّفة عن ركب الإنسانية، لكن بلا إحصاءات تكشف وتُخضع للحساب، الرّقم المعلن –فقط- يمثّل أكثر من عشر من قتلوا في الحرب العالمية الثانية، والتي عدّت أضخم صراع في تاريخ البشر والخمس سنوات الأكثر دمويّة وإثارة في تاريخ الكوكب، ولا زلنا تحت رحمة الفيروس القاتل على أي حال.
الحكومات العربية رسبت في اختبار الفيروس، وسقطت في امتحان الإرادة، الدول الغنية كما الأقل موارد الكلّ كان باطلًا وهشًا في مواجهة التّحدي وأزمة الظّرف الدّقيق، لا إحصاءات يعتدّ بها، والأهم: لا إنتاج دوائي قادر على الإستجابة لأنين الناس ورُعبهم، وبحث الجميع عن اللّقاح لدى من أنتجوه بالفعل، شرقًا وغربًا.
في مصر، والتي كانت تشكّل مع سوريا أكثر الدول العربية تحقيقًا للإكتفاء الذّاتي من الدّواء، ضرب الجنون الرّسمي النّظام كلّه، وبات يبحث عن توفير منح من اللّقاحات المجانيّة، تمنّ بها الشّركات المنتجة على الدول الأفقر، بينما يتعاقد النّظام الحاكم على توريد مونوريل "قطار معلّق"، في عقد يتجاوز 3.5 مليار دولار، لخدمة مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، التي لا تجد من يسكنها، ولا تجد اسمًا كأي مدينة على وجه الأرض، هي فقط عاصمة وجديدة.
تحوّلت كلّ الدول العربية أمام هجوم الفيروس إلى متلقّي معونات من شركات الإنتاج الأميركية والصينية، لا أحد يعلم بالطبع ما الذي يجري تجربته في أجسادنا، مع امتلاك الشركات الأميركية خصوصًا لتاريخ قميء في تجربة الأدوية على الفقراء، خصوصًا في إفريقيا القارّة الأفقر، واستعدادها للتّضحية بكلّ شيء في سبيل الرّبح، وفقط.
وسبق أن كشف كتاب "التاريخ المظلم للتّجارب الأميركية على الأفارقة" للمؤلفة هارييت واشنطن، نذرًا يسيرًا من المأساة الإنسانية التي صنعتها الشّركات الأميركية الكبرى، بحثًا عن الأرباح، وتقول المؤلّفة: بداية من الطبيب الأميركي الأشهر ماريون سيمز، أحد أحقر نماذج الأطباء في التاريخ الإنساني المعروف لنا، تواصل الشّركات ومعاهد البحوث التي تبجّل الطبيب سيئ الذّكر السير على منهاجه وطريقته.
وبالنّسبة إلى الكثير من الأميركين، يعدّ سيمز واضع أسس طب النّساء الحديث، عقب إجرائه عددًا كبيرًا من العمليات الجراحية على النّساء السود المستعبدات، وكان الطبيب الأشهر يقوم بتجاربه وعملياته الجراحية على هؤلاء البشر، دون استخدام مخدّر على الإطلاق، لاعتباره المرأة السوداء دون مرتبة البشر، ولا تشعر بالألم!
ومن ماريون سيمز استكمل الأميركي مسيرته السوداء، فالشّركات الأميركية التي لا تستطيع وضع مواطنيها كفئران تجارب لأدويتها الجديدة تلجأ إلى القارة السمراء، وبعض الدول العربية، لتجربة اللّقاحات والأدوية الجديدة، على أكبر عدد ممكن من المواطنين، سواء بعلمهم مقابل مبالغ مادية زهيدة استغلالًا لفقرهم وشدّة العوز التي يعيشون بها، أو بالإتّفاق مع حكوماتهم.
المأساة تكتمل بدخول 3 دول عربية، هي مصر وتونس والأردن، ضمن الوجهات الأولى للتّجارب الأميركية، الحالة الاقتصادية في الدّول الثّلاث عبارة عن كارثة إنسانية كبرى وقع فيها الغالبية السّاحقة من أبناء هذه الدول المنكوبة، بجانب حالة سياسية حوّلتها إلى أكبر السّجون المفتوحة في العالم، لا تختلف كثيرًا عن حدائق الحيوان المفتوحة بكينيا وجنوب إفريقيا، الجميع يأتي للتّمتع والتّلاعب بمن اعتبرتهم دولهم دون البشر، وجني بعض الأرباح على جثثهم، إن أمكن.
وفي مصر وحدها، التي تعدّ أكبر الدول العربية سكانًا، فقد جاءت كثاني الدول التي يخضع سكّانها للتّجارب السريرية على الأدوية والعقاقير، والتي تستضيف كبرى الشركات الأميركية الراغبة في تجربة علاجاتها الجديدة، دون أي توابع قانونية أو أخلاقية على الشّركات، التي تكتفي بالإتفاق مع الحكومة، مقابل المال، أو تلجأ مباشرة لسماسرة البشر لتوفير متطوّعين، يكون الواحد منهم على استعداد لبيع روحه ذاتها مقابل لقيمات تقيم أود أسرته.
فيروس كورونا المستجد لم يفعل الكثير سوى أنّه عرى ورقة التوت عن جسد عربي منهك، وأوضاع سياسية مريضة، وحال اقتصادي لا يجب وصفه سوى بالمأساة الإنسانية الكاملة، وأغلب الحكومات العربية، في عزّ الأزمة والموت والصّراخ إلى استكشاف كلّ طريقة ممكنة لزيادة ثروات وزرائها وحكامها، من كلّ قرش يملكه –أو لا يملكه- المواطن العربي، ما فعله الفيروس بالفعل أنّه أضاء النّور لنرى الواقع الحقيقي، دون حاجة لتَحليل أو شَرح.