إيهاب شوقي
لا شكّ أنّ كلّ تهديد يُمكن أن يتحوّل لفرصة وكذلك كلّ أزمة مهما كانت خانقة وسيّئة ومليئة بالجوانب السلبيّة، فإنّ لها جوانب إيجابية باطنة وتظهر مع مرور الوقت، إلّا أنّها بحاجة لرصد وتأمّل بعيداً عن العناوين المفزِعة التي تتصدّر واجهة الأزمات.
وانتشار فيروس كورونا وتحوّله لوباء عالمي، هو بلا شكّ أزمة كبرى جماعية، وهنا نحاول استكشاف بعض الجوانب الإيجابية أو رصد بعض الأمور التي يُمكن
من خلالها الإنطلاق لتلافي سلبيّات كبيرة وبالتالي تحويلها إلى إيجابيّات.
وقبل هذا الرّصد نرى أنّه من المُفيد إلقاء الضّوء على الطبيعة الخاصّة لهذا الوباء:
حيث يتميّز هذا الوباء وما يترتّب عنه من أزمة بالخصائص التالية:
1- الأزمة من النّوع الجماعي وليست أزمة شخصية أو قاصرة على فئة وهو ما يتطلّب حلًّا جماعيًّا وليست من النّوع الذي يُحلّ بحلول فئوية كأزمات الفقر او أزمات السياسة أو حتّى الأمراض المتعلّقة بأعمار محدّدة مثل الأطفال أو كبار السّن وغيرها.
2- إضافة لجماعية الأزمة فإنّ الوباء والعدوى يقودان لخاصيّة أُخرى وهي التّراكم وتكبر الأضرار بعضها على بعض بمتواليات هندسية، حيث يمكن إهدار الحلول والإحتراز ما لم يكن قرارًا أو سلوكًا جماعيًا، كما أنّها من الأزمات التي تنمو ولا تتوقّف عند مرحلة أو سقف.
3- بطبيعة انتشار الوباء ومعدّلاته، فإنّ الهامش الزّمني المُتاح للمواجهة ضيّق ويجد النّاس أنفسهم في صراع دائم مع الوقت.
وهذا النّوع من الأزمات المركّبة يتطلّب كما أشرنا دائما إلى مواجهات مركّبة وإبداعيّة وجادة، بينما ما نراه من سلوك جماعي سواء للحكومات او المنظّمات الدّولية أو القوى الكبرى، وأيضًا الشّعوب، ليس على مستوى الأزمة التي يتمّ تصديرها إعلاميًا بشكلٍ مُفزع، قد يلمس البعض مبالغات بها متناقضة مع واقع لا يتعامل بحجم هذه الأزمة التي يتمّ تصديرها، بل ولا يلمس الناس هذا الحجم المُفزع وإن كانوا يروا له أصداء وظلال على الواقع.
وبتوضيح أكثر، فإنّ قطاعات كبيرة من الشعوب تعيش حياة أقرب للحياة العاديّة قبل بروز هذا الكابوس المُفزع، ويبدو وأنّهم يشعرون بفجوة بين واقع يلمسونه، وواقع يقرأون عنه ويستمعون له في وسائل الإعلام، حتّى وإن رأوا بأعينهم بعض المصائب التي تؤكّد وجود حقائق وظلال واقعية للصورة الإعلامية، وهو ما يعني أنّ التّضخيم الإعلامي والرّسمي والدّولي يستند إلى حقائق وليس مجرّد فبركات ونشر للرّعب لأهداف غامضة.
هنا نحن أمام حالة إنسانيّة عامّة، عنوانها اللامبالاة بالأزمة حتى ترى بالعين أو تستفحل، وما يستتبعها من طبائع إنسانية سلبية تتعلّق بالخلاص الفردي، رغم كونه غير مجدٍ في أزمة من هذا النّوع.
كما أنّنا أمام تداخل للعوامل السياسية والاقتصادية التي تغذّي تارة المبالغة في الرّعب لدوافع سياسية واقتصادية باطنة، كما تدفع على النقيض في تارة أخرى للإستهانة والمغامرة حرصًا على مصالح اقتصادية اخرى.
الخلاصة أنّنا أمام حالة مشوّشة ولا تتمتّع فيها الشعوب باليقين أو الشعور بالأمانة العلمية والسياسية، وهو ما يقود إلى حالة من الإضطراب السلوكي الذي نلمسه في مجتمعاتنا من حيث التأرجح بين المبالاة واللامبالاة، والتزام فئات بالحرص والإحتراز دون فئات، بل وتأرجح الكثير من الناس بين الحرص والإهمال والذي يتمثّل في سلوكيات تُثير التّعجّب وربّما السّخرية، مثل ارتداء الكمامات يومًا وتركها يومًا، او ارتدائها في أماكن دون أُخرى، أو ارتدائها بشكلّ خاطئ دون تغطية للأنف كنوع من أنواع الواجب فقط،، وهكذا.
ويشجّع على السلوك المضطرب أيضًا، التّضارب بين الدّراسات العلمية المنشورة والتي يذهب بعضها إلى عدم جدوى الكمامات أو تأثيرها المحدود في الحماية، بل وعدم جدوى اللّقاحات، أو التّأثيرات الجانبية الخطيرة للقاحات وغيرها من تلال المنشورات بشأن الوباء!
وهنا الوجه الإيجابي والذي حاولنا رصده، يمكن أن يشتمل على عدة جوانب، أبرزها الفرز السّلوكي للمجتمعات واكتشاف أخلاقيات الأزمة عامّة ولدى فئات بعينها بشكلٍ خاص.
وهو ما يُتيح للباحثين المخلصين استنتاج هذه السلوكيات ومحاولة علاجها وتلافيها.
وكذلك رصد التأثير الإعلامي على الرأي العام وانعكاساته على تشكّل حالة الجمهور وتعاطيه وردود أفعاله المقابلة للسلوك الإعلامي من حيث تكثيف الأخبار والنّشر والصياغة العامّة والرّسالة التي يوصلها الإعلام، مدى اتساق المنشورات أو تضاربها، وهي فرصة كبيرة لتحليل سلوك الإعلام ومدى تأثيره على الجمهور ومدى انعكاسات المحصلة الإعلامية على سلوك الجمهور.
وكذلك نحن أمام فرصة جماهيرية لاكتشاف حقيقة القوى الكبرى وافتضاح دعاياتها الكاذبة، وكذلك بيان حقيقة الحكومات ومدى التزامها بالصّالح العام.
نحن أيضا أمام فرصة كبيرة لاكتشاف سلبيّات الحياة الحديثة والعودة لايجابيات الحياة الطبيعيّة والتي تسبّب إهمالها في ضعف الانسان وهشاشته، ونشوء أوضاع صحية واقتصادية تخيّره أحيانًا بين الحياة وبين المغامرة بالمرض للبقاء على قيد الحياة ولو مريضًا!