أحمد فؤاد – صحافي مصري
"ربّما".. الكلمة السّحرية البغيضة هي الأكثر تكرارًا على لسان كلّ المهتمّين والفاعلين الحقيقيين في العالم، إذا ما تعلّقت التّساؤلات بأزمة تفشّي جائحة كورونا، هل نحن في نهاية المشكلة أم لا تزال في جعبة الفيروس الكثير من الآلام، وما هو الوقت المتبقّي للعالم في هذه المعاناة الطويلة، كلّ الإجابات ستبدأ أو تنتهي بكلمة ربّما.
وعلى الرّغم من أنّ الكلمة بحدّ ذاتها تفتح المزيد من الأبواب نحو ضوء في نهاية الطّريق، إلّا أنّها في الوقت ذاته تترك المستقبل كلّه في حكم المجهول، يلفّه الضّباب والشّك والقلق، ولا يتيح مجالًا كبيرًا للتّفاؤل أو يتجاوب مع الرّغبة المتّقدة نحو طي صفحة الفيروس الذي أصاب العالم، تركه هشًا ضعيفًا، يستجدي المسكّنات ويتعلّق بأي بادرة حلّ، ولو كان مؤقّتًا أو مستحيلًا.
صندوق النّقد الدّولي من جهته، كأحد أهم المؤسّسات المؤثّرة والفاعلة في الاقتصاد العالمي، يتوقّع مستقبلًا قاتمًا خلال العامين المقبلين، على الأقل، لا جديد سوى المزيد من الفقر وصعوبة الحصول على المواد الغذائية الأساسية للأشخاص الأكثر فقرًا واحتياجًا، بالإضافة إلى ضربة لافحة جديدة من التّضخم، ستصيب دول العالم كلها، خاصّة فيما يتعلّق بأسعار سلّة الغذاء الرئيسية، وما يعقبها من زيادة تضرب كلّ السّلع، ما يدفع إلى معاناة هائلة للأشخاص والأسَر ذات الدّخل المنخفض.
والحقيقة أنّ المشهد في العالم كلّه هو مشهد أزمة بامتياز، وهي لحظات سبقت في التاريخ كثيرًا، إذ أنّ من يملك ويسيطر على النّظام العالمي لا يستطيع أن يعبر الأزمة أو يفتح طريقًا لحلّها، فلا شركات الأدوية الأميركية والأوروبية، قادرة على طرح علاج ناجع شاف، ولا المؤسّسات المالية العالمية التي تدور في الفلك الغربي كفيلة بضخّ تمويلات للدّول والاقتصاديات الأكثر تضررًا من الأزمة، بشكلٍ يجعل القافلة تسير على الأقل.
وما يهمّنا في تقارير وتصريحات كبار مسؤولي صندوق النّقد الدّولي، هو الشّرق الأوسط بالذات، كوننا ننتمي لهذا العالم العربي، الأشبه بقارب يبحر في خضَم محيط من الفوضى، ولا يستطيع دفع الرّياح، ولا يملك –في هذه اللّحظات الصعبة- القدرة على الاستفادة منها، أو إرادة تعديل المسار في هذا الاضطراب كلّه.
مدير إدارة الشّرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النّقد الدولي، جهاد أزعور، خرج بتصريحات مروّعة، فيما يتعلّق بتوقّعات الصندوق لتعافي الاقتصاد العالمي، والمدّة التي ستستغرقها الموجة التّضخمية الجديدة في عصر كورونا الحزين، ومفادها إنّ استقرار أسعار سلّة الغذاء ستبدأ من العام المقبل (2022)، لكن النمو في المنطقة مستمر في التّعثر حتى إشعار آخر.
المفاجئ في توقّعات الصندوق للنّمو في الشّرق الأوسط هو ارتفاعها من الأرقام المقدّرة مسبقًا، إذ توقّعت أحدث تقارير الصندوق ارتفاع النمو في منطقة الشرق الأوسط ككلّ إلى نسبة 4.1%، من نسبة 3.7% متوقّعة في منتصف العام الحالي.
لكن نسبة النمو في المنطقة ليست مرتفعة بالنسبة لكلّ الدول على السواء، إذ ستستفيد الدول النّفطية من الارتفاع الهائل في أسعار النّفط، لتحقّق الدول العربية النّفطية مستويات كبيرة من زيادة الإيرادات، بينما ستواصل بقيّة الدّول العربية المعاناة مع توقّف قطاعاتها الاقتصادية الرئيسية، مثل السياحة، والتي تعتمد عليها دول عديدة مثل لبنان ومصر وتونس، والتي لا يبدو لها انفراجة في الأجل القريب، مع استمرار قيود السّفر والاتصال حول العالم.
باختصار، البعض سيُتاح له هدنة مؤقتة بفعل طفرة أسعار النفط، بينما الأغلبية لا تزال على موعد مع التراجع، وحتّى إشعار آخر.
ومثل ما تؤكّد تصريحات وتقارير صندوق النقد الدولي، والواقع اليومي المعاش في كلّ دولة عربية على حدة، ضرورة التّرابط بين العالم العربي لعبور أزماته، تكشف أيضًا، وبجلاء، أنّ القطاعات الاقتصادية الحقيقية من صناعة وزراعة، هي السبيل الأوفى للخروج من كلّ أزمة، وتحوّل الدولة إلى فاعل في خضم هذا البحر اللّجي، عوضًا عن انتظار مصادفة سعيدة في هذا التيه الممتدّ، والطويل جدًا.